Monday, October 14, 2013

هدم أسوار أريحا

مقال لعالم الآثار زئيف هيرزوج نشر بجريدة هاآرتس الإسرائيلية عام 1999.
زئيف هيرزوج:
عالم آثار إسرائيلي من مواليد 1941، وهو أستاذ علم الآثار بقسم آثار وحضارات الشرق الأدنى القديم بجامعة تل أبيب ومتخصص بعلم الآثار الاجتماعي والمعمار القديم. وهو أيضاً مدير معهد سونيا وماركو نادلر للآثار منذ عام 2005 وهو أيضاً مستشار أثري لهيئة الحفاظ على الحدائق العامة والوطنية بإسرائيل.
المقال الأصلي بالعبرية كما نشر على صحيفة ها آرتس:
http://www.hayadan.org.il/bible-no-evidence-291099/
المقال مترجماً للغة الإنكليزية:
ترجمة المقال للعربية:
بعد 70 عاما من الحفريات المكثفة بأرض إسرائيل، اكتشف علماء الأثار التالي:
أعمال آباء التوراة خرافية، لم يرتحل بني إسرائيل إلى مصر أو يخرجوا منها، لم يحتلوا الأرض. ولا يوجد أي ذكر لإمبراطورية داود وسليمان، ولا ذكر لمصدر إيمان بإله إسرائيل. هذه الحقائق معروفة منذ سنوات، لكن بني إسرائيل شعب عنيد ولا يوجد من يريد الاستماع لها.
هذا ما توصل إليه علماء الآثار عن طريق الحفريات بأرض إسرائيل: لم يقم بني إسرائيل بمصر قط، ولم يتوهوا بالصحراء، لم يحتلوا الأرض بحملة عسكرية ولم يقسموها بين 12 سبط لبني إسرائيل. ربما يكون الأصعب من هذا هو أن الحكم الملكي الموحد لمملكة داوود وسليمان، والذي وصفه الكتاب المقدس بذي نفوذ بالمنطقة، كان على الأغلب مملكة عشائرية صغيرة. وسيصدم الكثيرين أن إله إسرائيل - يهوه - كان له زوجة وأن دين بني إسرائيل المبكر اتجه للتوحيد فقط في نهاية العصر الملكي وليس على جبل سيناء. معظم هؤلاء المشتغلون بالعمل العلمي بدائرتي الكتاب المقدس المتشابكتين، الآثار وتاريخ الشعب اليهودي - وهؤلاء الذين كانت بداياتهم في البحث عن إثبات لقصة الكتاب المقدس - يتفقون الآن أن الأحداث التاريخية المتعلقة بمراحل ظهور الشعب اليهودي مختلفة تماماً عن ما تخبرنا به هذه القصة.
التالي هو تقرير قصير عن مختصر تاريخ علم الآثار، مع تأكيد على المحنة والانفجار العظيم - إذا جاز التعبير -  بالعقد السابق. السؤال الحاسم لهذه الثورة بعلم الآثار لم يصل بعد لوعي العامة، لكن لا يمكن اهماله.
اختراع قصص الكتاب المقدس
تطور التنقيب عن الآثار كعلم بفلسطين بعهد متأخر نسبياً، بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بالتماشي مع علم الآثار الخاص بالحضارات بالغة الضخامة بمصر وما بين النهرين واليونان وروما. كانت هذه الحضارات ذات النفوذ الهائل والموارد المكثفة الهدف الأول للباحثين، الذين ينقبون عن دليل مثير للإعجاب بالماضي، عادة لأجل المتاحف الكبيرة بلندن وباريس وبرلين. مرت هذه المرحلة على فلسطين بشكل مؤثر، بتقسيماتها الجغرافية المختلفة. أحوال فلسطين القديمة لم تكن مرحبة بتطور مملكة ممتدة، وبالتأكيد لا يوجد دليل على إمكانية إنشاء مشاريع ضخمة مثل المعابد المصرية أو قصور بلاد ما بين النهرين. في الواقع، لم يكن علم الآثار بفلسطين وليد مبادرة متاحف، لكنه انبثق عن دوافع دينية.
الدفعة الأساسية وراء التنقيب عن الآثار بفلسطين هو علاقة الدولة بالنص المقدس. المنقبون الأوائل بأريحا وشكيم (نابلس) كانوا باحثين بالكتاب المقدس ينقبون عن بقايا المدن المذكورة بالكتاب المقدس. وصلت الحركة الأثرية لذروتها مع نشاط ويليام فوكسويل ألبرايت William Foxwell Albright، الذي برع بعلم آثار وتاريخ ولغات أرض إسرائيل والشرق الأدنى القديم. ألبرايت الذي كان أمريكيا وأبوه كان كاهناً من أصول تشيلية، بدأ التنقيب فلسطين بعشرينيات القرن العشرين. كان نهجه المعلن أن علم الآثار هو الوسيلة العلمية الأساسية لتفنيد الادعاءات ضد الحقائق التاريخية لقصص الكتاب المقدس، خاصة ادعاءات مدرسة فيلهاوزن Wellhausen بألمانيا.
مدرسة نقد الكتاب المقدس التي نشأت بألمانيا ببداية النصف الثاني بالقرن التاسع عشر، والذي كان أحد أهم قاداتها يوليان فيلهاوزن Julian Wellhausen، تحدت تاريخية قصص الكتاب المقدس وزعمت أن التأريخ بالكتاب المقدس تمت صياغته، بل وعلى الأغلب "اختراعه" أثناء السبي البابلي. علماء الكتاب المقدس، خاصة الألمان منهم، زعموا أن تاريخ العبرانيين، كسلسلة متعاقبة من الأحداث بدأت بإبراهيم وإسحاق ويعقوب والمتبوعة عبر الانتقال إلى مصر والعبودية والخروج وانتهاءها باحتلال الأرض واستقرار أسباط إسرائيل، لم يكن إلا إعادة بناء متأخر للأحداث له هدف ديني.
اعتقد ألبرايت أن الكتاب المقدس وثيقة تاريخية، والذي رغم مروره بعدة مراحل تصحيح، فهو يعكس واقع المنطقة قديماً. كان مقتنعاً بأنه إن تم الكشف عن البقايا القديمة لفلسطين، فستكون إثباتاً لا لبس فيه عن الحقيقة التاريخية للأحداث المرتبطة بالشعب اليهودي بهذه الأرض.
نتج عن علم آثار الكتاب المقدس الذي نشأ عن طريق ألبرايت وتلاميذه مجموعة من التنقيبات المكثفة بمناطق كتابية هامة: مجدو، لخيش، جازر، شكيم (نابلس)، أريحا، أورشليم، عاي، جبعون، بيت شان (بيسان)، بيت شمس (بيت شيمش)، حاصور، تعنك ومدن أخرى. الطريق كان مباشراً وواضحاً: كل اكتشاف يظهر سيسهم في بناء صورة متناسقة للماضي. انطلق علماء الآثار الذين تبنوا نهج الكتاب المقدس بحماس في مهمة للكشف عن "حقبة الكتاب المقدس": حقبة الآباء، المدن الكنعانية التي دمرها بني إسرائيل حينما احتلوا الأرض، حدود الأسباط الاثنى عشر، مواقع حقبة الاستيطان، الممثلة في "صناعة الفخار بالمستوطنة"، "بوابات سليمان" في حاصور ومجدو وجازر، "اسطبلات سليمان" (أو أخاب)، "مناجم الملك سليمان" في تمنة. وثمة هؤلاء الذين ما زالوا يعملون بجهد ووجدوا جبل سيناء (في جبل كركوم بصحراء النجف) أو مذبح يشوع بجبل عيبال.
المحنة
ببطء، بدأت الثغرات تظهر بالصورة. وبشكل متناقض، نشأ موقف حيث بدأت وفرة المكتشفات في تقويض المصداقية التاريخية لقصص الكتاب المقدس بدلاً من تعزيزها. وتم الوصول لمرحلة المحنة حينما لم تتمكن النظريات بهيكل الفرضية العامة من حل الكثير من المشاكل المتزايدة. وأصبحت التفسيرات مملة وغير أنيقة، ولا تتراكب الأجزاء سوياً بسلاسة. هذه بعض الأمثلة لكيفية انهيار الصورة المتناغمة.
عصر الآباء: وجد الباحثون صعوبة في الوصول إلى اتفاق على أي من العصور التاريخية يماثل عصر الآباء. متى عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟ متى تم شراء مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي) (قبر الآباء بحبرون "الخليل") ليكون مكان دفن الآباء وزوجاتهم؟ تبعاً للتقسيم الزمني للكتاب المقدس، بنى سليمان الهيكل بعد 480 عام من الخروج من مصر (سفر الملوك الأول 6: 1). ولهذا التاريخ يجب أن نضيف 430 عاماً من البقاء في مصر (الخروج 12: 40) بالإضافة إلى حياة الآباء المديدة، فينتج عن هذا أن إبراهيم ارتحل لكنعان بالقرن الواحد والعشرين قبل الميلاد.
لكن لم يظهر أي دليل يدعم هذا التأريخ. دافع ألبرايت ببداية ستينيات القرن الماضي عن إرجاع ارتحال إبراهيم إلى وسط العصر البرونزي ( ما بين 22 إلى 20 قرن قبل الميلاد). لكن بنيامين مزار - أبو الفرع الإسرائيلي لآثار الكتاب المقدس - طرح تحديد الخلفية التاريخية لعصر الآباء ألف عام متأخرة عن هذا التأريخ، أي في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أي ستكون في "فترة الاستيطان". رفض آخرون تاريخية القصص واعتبروها أساطير موروثة كانت تُحكى بعصر مملكة يهوذا. على أية حال، ابتدأ الاتفاق بالانهيار.
الخروج من مصر، التيه في الصحراء وجبل سيناء: الوثائق المصرية الكثيرة التي بين أيدينا لا تذكر وجود بني إسرائيل في مصر وصامتة تجاه أحداث الخروج. تذكر وثائق كثيرة عادة الرعاة البدو بدخول مصر أثناء فترات الجفاف والجوع والإقامة على أطراف دلتا النيل. لكن لم تكن هذه ظاهرة متفردة، بل حدثت بشكل متكرر لآلاف السنين ولم تكن استثنائية.
حاول أجيال من الباحثين تحديد مكان جبل سيناء ومحطات توقف أسباط بني إسرائيل بالصحراء. بالرغم من هذه الجهود المكثفة، لم يتم اكتشاف موقع واحد يمكن أن يماثل ما يرويه الكتاب المقدس.
قاد نفوذ التراث بعض الباحثين الآن إلى "اكتشاف" جبل سيناء في شمال الحجاز أو - كما ذكرت من قبل - بجبل كركوم في صحراء النجف. هذه الأحداث الهامة بتاريخ بني إسرائيل ليست موثقة في أية وثائق خارجة عن الكتاب المقدس أو في الاكتشافات الأثرية. يتفق معظم المؤرخين اليوم أن بأفضل تقدير الإقامة في مصر والخروج حدث في بعض العائلات وأن قصتهم الخاصة توسعت وتم "تأميمها" لتناسب الأيديولوجية الدينية.
الاحتلال: أحد أهم الأحداث بتاريخ بني إسرائيل بالكتاب المقدس هو قصة كيفية الاستيلاء على الأرض من الكنعانيين. ومع ذلك، برزت بغتة مصاعب جمة بمحاولات إيجاد الدليل التاريخي لهذه القصة. التنقيب المتكرر من قبل بعثات أثرية عديدة في أريحا وعاي - المدينتين اللذان ذكر احتلالهما بأكثر تفاصيل بسفر يشوع - كانت مخيبة للآمال بشدة. برغم جهود المنقبين، ظهر أن بنهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد - بنهاية العصر البرونزي المتأخر، وهي الفترة المتفق عليها أنها فترة هذا الاحتلال - لم تكن أياً من المدينتين قد وُجدت، وبالطبع لم تكن ثمة أسوار لتسقط. وبشكل طبيعي، تم تقديم تفسيرات لهذه المشاكل. ادعى البعض أن الأسوار حول أريحا جرفها المطر واقترح آخرون أن الأسوار الأولى قد استخدمت، وبالنسبة لعاي، تم الادعاء أن الاحتلال كان لمدينة بيت إيل القريبة وتم نقل القصة لعاي عن طريق كاتب متأخر.
اقترح علماء الكتاب المقدس منذ ربع قرن أن يُنظر لقصص الاحتلال على أنها أساطير سببية لا أكثر. لكن بعد اكتشاف المزيد من المواقع الأثرية وظهر أن الأماكن المطلوبة اختفت أو صارت مهجورة بأزمنة مختلفة، دعم هذا الاستنتاج بأن لا وجود لأساس تاريخي لقصة الكتاب المقدس عن احتلال أسباط بني إسرائيل للأرض في حملة عسكرية يقودها يشوع.
المدن الكنعانية: يضخم الكتاب المقدس من قوة وتحصينات المدن الكنعانية التي احتلها بني إسرائيل: "مدنا عظيمة ومحصنة إلى السماء" (تثنية 9: 1). لكن بالواقع، كل المواقع الأثرية التي اكتشفت أظهرت بقايا مستوطنات غير محصنة، وبمعظم الحالات تتكون من منشآت قليلة أو قصر الحاكم أكثر منها مدينة حقيقية. الثقافة الحضرية بفلسطين بالعصر البرونزي المتأخر تفككت في عملية استمرت مئات السنوات ولم ينتج هذا عن احتلال عسكري. بالإضافة لذلك، وصف الكتاب المقدس لا يتفق مع الواقع الجغرافي السياسي في فلسطين. كانت فلسطين تحت حكم مصري حتى أواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد. كان المركز الإداري المصري يتواجد في غزة ويافا وبيت شان. وتم اكتشاف آثار مصرية بمواقع كثيرة بكلا جانبي نهر الأردن. لم يُذكر هذا الحضور البارز بقصة الكتاب المقدس، ومن الواضح أن هذا لم يكن معروفاً لدى المؤلف والمحررين.
الاكتشافات الأثرية تناقض بشكل سافر الصورة التي رسمها الكتاب المقدس: المدن الكنعانية لم تكن "عظيمة"، ولم تكن محصنة ولم يكن بها أسوار تمتد إلى السماء. بطولة المحتلون، فئة قليلة ضد فئة كثيرة ومساعدة الإله الذي حارب لأجل شعبه هي إعادة بناء قصة دينية لا تحوي أي حقائق.
أصل بني إسرائيل: دمج الاستنتاجات المأخوذة من هذه الوقائع المرتبطة بالمراحل التي ظهر بها بني إسرائيل تسببت في نقاش حول السؤال الأساسي: هوية بني إسرائيل. إن لم يكن ثمة دليل على الخروج من مصر الارتحال بالصحراء، وإن تم تفنيد قصة الاحتلال العسكري لمدن محصنة من قبل الأثريين، إذاً، من كان بني إسرائيل؟ أكدت الاكتشافات الأثرية حقيقة هامة واحدة: في بداية العصر الحديدي (الذي بدأ بعد 1200 قبل الميلاد) وهي الفترة المرتبطة بظهور "حقبة الاستيطان"، تم إنشاء المئات من المستوطنات الصغيرة بمنطقة التل الأوسط بأرض إسرائيل، وسكنها المزارعون الذين عملوا بالأرض أو قاموا بتربية الأغنام. إن لم يأتوا من مصر، فما هي أصول هؤلاء المستوطنين؟ اقترح إسرائيل فينكلستاين - بروفيسور الأثار بجامعة تل أبيب - أن هؤلاء المستوطنين هم رعاة الأغنام الذين تجولوا بمنطقة هذا التل خلال العصر البرونزي (تم اكتشاف قبور هؤلاء الناس بدون مستوطنات). وتبعاً لإعادة بناءه للأحداث، بالعصر البرونزي المتأخر (والذي سبق العصر الحديدي) استخدم الرعاة نظام اقتصادي مبني على المقايضة اللحم مقابل الغلال مع سكان الأودية. ومع انحلال النظام المدني والزراعي بالأراضي المنخفضة، اجبر البدو على إنتاج الغلال الخاصة بهم، ومن هنا نشأ الدافع للاستقرار بمستوطنات.
ذُكر اسم إسرائيل بوثيقة مصرية واحدة من عصر مرنبتاح ملك مصر، ويرجع تاريخها إلى 1208 قبل الميلاد: "نُهبت كنعان بكل شر، غُلبت عسقلان، خضعت جازر، أصبحت يوكنعام كما لو لم توجد، خربت إسرائيل وانقطع نسلها". يشير لوح مرنبتاح إلى الدولة باسمها الكنعاني ويذكر بضعة مدن بالمملكة، بالإضافة إلى مجموعة عرقية لا مدينة لها. وتبعاً لهذا الدليل، مُنح مصطلح "إسرائيل" لأحد الشعوب التي نشأت بكنعان بنهاية العصر البرونزي المتأخر، وعلى ما يبدو كان هذا بمنطقة التل الوسيط، حيث ستنشأ مملكة إسرائيل في زمن لاحق.
مملكة بدون اسم
المملكة المتحدة: كان علم الآثار هو المصدر الذي أُخذ منه التحول في إعادة بناء الأحداث الحقيقية بالفترة المعروفة باسم "المملكة المتحدة" لداود وسليمان. يصف الكتاب المقدس تلك الحقبة على أنها ذروة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لبني إسرائيل بالأزمنة القديمة. في بداية فتوحات داود، امتدت امبراطورية داود وسليمان من نهر الفرات حتى غزة "لأنه كان متسلطا على كل ما عبر النهر من تفسح الى غزة على كل ملوك عبر النهر" (سفر الملوك الأول 4: 24). تظهر الاكتشافات الأثرية بمواقع كثيرة أن مشاريع الإعمار المنسوبة لتلك الحقبة كانت ضئيلة من حيث الإمكانيات والنفوذ.
الثلاث مدن المذكورة ضمن إنشاءات سليمان حاصور ومجدو وجازر، نُقّب بها بكثرة بالطبقات المناسبة. حوالي النصف الأعلى فقط من حاصور كان محصناً، وتغطي مساحة 30 كيلومتر مربع فقط، من المساحة الكلية للمستوطنة 700 كيلومتر مربع والتي أنشأت بالعصر البرونزي. وفي جازر كان يبدو أن ثمة قلعة واحدة محاطة بسور محصن وتغطي مساحة صغيرة، مجدو لم تكن محصنة بسور.
تصبح الصورة أكثر تعقيداً في ضوء التنقيب الذي تم في أورشليم، عاصمة المملكة المتحدة. تم التنقيب بأجزاء كبير من المدينة بالـ150 عاماً السابقة. أظهر التنقيب بقايا مثيرة للإعجاب لمدن من العصر البرونزي الوسيط حتى العصر الحديدي الثاني (فترة مملكة يهوذا). لم توجد أي بقايا لمباني من فترة المملكة المتحدة (حتى تبعاً للتأريخ المتفق عليه)، مجرد كسرات فخارية. بالنظر إلى حالة البقايا من فترات سابقة وتالية، من الواضح أن أورشليم في زمن داود وسليمان كانت مجرد مدينة صغيرة، وربما حوت قلعة صغيرة للملك، لكنها بأية حال لم تكن عاصمة للإمبراطورية المذكورة بالكتاب المقدس. هذه الإمارة الصغيرة هي مصدر لقب "بيت داود" المذكور بشكل لاحق في الكتابات الآرامية والموآبية. كاتبو المذكور بالكتاب المقدس لم يعرفوا أورشليم إلا بالقرن الثامن قبل الميلاد، بسورها وثقافتها الغنية والتي وجدت بقاياها بأجزاء عديدة من المدينة، واعتقدوا أن هذه الصورة تعود للمملكة المتحدة. من المحتمل أن أورشليم حصلت على وضعها المركزي بعد تدمير السامرة - منافستها الشمالية- عام 722 قبل الميلاد.
الاكتشافات الأثرية تتفق تماماً مع استنتاجات المدرسة النقدية للكتاب المقدس. داود وسليمان كانا حاكمين لمملكتين عشائريتين حكمتا مناطق صغيرة: الأولى في حبرون والأخيرة في أورشليم. وبنفس التزامن، بدأت مملكة منفصلة بالنشوء في تلال السامرة، والتي نجد لها أثراً بالقصص عن مملكة شاول. إسرائيل ويهوذا من البداية مملكتان منفصلتان مستقلتان، وفي علاقة عداوة ببعض الأحيان. لذلك، فالمملكة المتحدة العظيمة هي خيال تاريخي فلسفي مختلق، والذي تم تأليفه أثناء بداية حقبة مملكة يهوذا. وربما أكثر الأدلة القاطعة على هذه الحقيقة هي أننا لا نعلم اسم هذه المملكة.
يهوه وزوجته: كم إله عبد بني إسرائيل بالضبط؟ بالإضافة للناحية التاريخية والسياسية، ثمة أيضاً شكاً تجاه مصداقية المعلومات عن الاعتقاد والعبادة. نشأ السؤال عن تاريخ اعتناق مملكتي إسرائيل ويهوذا للتوحيد مع اكتشاف نقوش بالعبرانية القديمة تذكر إلهين: يهوه وعشيرته יהוה ואשרתה (يهوه وزوجته). في موقعين، كونتيلة عجرود بالجزء الجنوب الغربي من منطقة تل النجف، وبخربة الكوم بسفوح جبال اليهودية بجنوب فلسطين، اكتشفت نقوش بالعبرية تذكر "يهوه وعشيرته"، "يهوه السامرة وعشيرته" "يهوه تيمان وعشيرته". ألف كان كتاب هذه النقوش وجود إلهين، يهوه وزوجته عشيرة، ويباركون اسم الزوجين. هذه النقوش من القرن الثامن قبل الميلاد، تزيد من إمكانية أن التوحيد، كدين الدولة، هو في الواقع اختراع لحقبة مملكة يهوذا، بعد تدمير مملكة إسرائيل.
علم الآثار بأرض إسرائيل يكمل عملية تهدف إلى ثورة علمية بهذا المجال. وهو مستعد لمواجهة اكتشافات علماء الكتاب المقدس وعلماء التاريخ القديم. لكن بنفس الوقت، نشهد ظاهرة مذهلة وهو أن كل هذا يتم إهماله من الجمهور الإسرائيلي. الكثير من الاكتشافات المذكورة هنا معروفة منذ عقود. المواد المطبوعة المحترفة في علم الآثار، والكتاب المقدس وتاريخ الشعب اليهودي تحدثت عن هذه الاكتشافات بعشرات الكتب ومئات المقالات. حتى وإن لم يقبل كل العلماء الحجج المنفردة التي تكون الأمثلة التي ذكرتها، قبل الغالبية بالنقاط الرئيسية بها.
ومع ذلك، لم تصل هذه الرؤى الثورية إلى عقلية العامة. منذ عام نشر زميلي بروفيسور التاريخ نيداف نعمان مقالاً بالقسم الثقافي والأدبي بجريدة ها آرتس عنوانه "لإزالة الكتاب المقدس من رف الكتب اليهودي"، لكن لم يحدث أن غضب العامة. أي محاولة للشك في دقة الوصف الكتابي تقابل كمحاولة لتقويض "حقنا التاريخي في الأرض" وكتحطيم لخرافة الدولة التي تجدد مملكة إسرائيل القديمة. هذه العناصر الرمزية تمثل مركبات هامة ببناء الهوية الإسرائيلية حتى أن أية محاولة للتحقق من صحتها تقابل بالعداء أو الصمت. ومن المثير للاهتمام بعض الشيء أن هذه النزعة بين المجتمع الإسرائيلي العلماني تتماشى كتفاً بكتف مع المجموعات المسيحية المتعلمة. وجدت عداوة مماثلة بردود الأفعال على المحاضرات التي ألقيتها بالخارج لمجموعات من المسيحيين محبي الكتاب المقدس، رغم أن ما يضايقهم هو تحدي أسس اعتقادهم الديني المتعصب.
تبين أن جزء من المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي وقع على العرب القاطنين بالدولة ومستعدين لقبول مبدأ الحقوق المتساوية للنساء - لكنهم غير مستعدين لقبول الحقائق الأثرية التي ستحطم خرافتهم الكتابية. يبدو أن اللطمة الموجهة للأساس الأسطورية للهوية الإسرائيلية شديدة التهديد، ومن المريح غض البصر عنها.

Friday, September 20, 2013

العجوز والصورة

كانت محاسن ذات العشرين عاماً تسكن بأحد المباني القديمة الراقية بحي مصر الجديدة بالقاهرة وتعرف كل سكان المبنى منذ نعومة أظافرها، ترسلها والدتها إليهم في الأعياد بالكعك أو بما تصنعه بيدها بشقتها،  كانت تعرفهم جميعاً وتعرف عنهم كل شيء تقريباً، فهذه شقة مدام سحر صاحبة متجر ملابس وأرملة وتقيم مع ابنها وابنتها اللذان يدرسان بالجامعة، وهذه شقة أستاذ عبد السلام أشرف، المدرس بأحد المدارس الأجنبية الراقية بالقاهرة ويقيم مع زوجته الصعيدية وابنهما الصغير، ومع قدر معرفتها الكبيرة بكل سكان البناية، فتقريباً لم تكن تعلم شيئاً عن أستاذ نادر عبد الهادي، ذلك العجوز الودود الذي تخطى الستين من عمره لكن بصحة جيدة وجسد رياضي ممشوق. فهو قليل الكلام ويعيش بمفرده لا أحد يزوره ولا يخرج إلا لشراء احتياجاته ويعود سريعاً. أدركت بحدسها الأنثوي أن وراء ابتسامته ووجهه الهادئ البشوش سراً كبيراً، وصممت على معرفته.
ذات يوم قابلته على السلم صاعداً يحمل أكياس كثيرة من البقالة، عرضت عليه مساعدته في حملها، فشكرها رافضا أن يتعبها، لكنها أصرت على مساعدته فرضخ لطلبها. حملت بعض الأكياس وصعدت معه إلى حيث شقته، فتح باب الشقة فدلفت أمامه بالدخول في فضول واضح وبدون استئذان.
أخذت تتأمل في الشقة، نظيفة ومرتبة بعناية، لكن ما لفت نظرها بأن في وسط الصالة جدار كامل يحمل مجموعة من الصور المزينة بإطارات ملونة رائعة، وكل الصور لنفس الشخص، فتاة في العشرينيات من عمرها مبتسمة في رقة، وتمتلك عينين واسعتين.
سألت في فضول بدون أن تفارق عينيها الصور "من هذه؟" لم يجبها سوى الصمت. التفتت إليه فوجدته مطرقاً بحزن إلى الأرض. فارتبكت وقالت بسرعة "آسفة، لم أقصد". قال لها "لا عليك، إنها من أحببت نصف سنوات عمري." ترددت في السؤال قبل أن يغلبها فضولها "هل هي زوجتك؟" هز رأسه بالنفي وقال "لا، لم نتزوج، ولم نقترب حتى من هذا". ظهرت على ملامحها معالم عدم الفهم، فابتسم في عطف وقال سأعد لنا كوبين من القهوة بالحليب لتسمعي القصة التي لم أحكها لأحد منذ سنوات طويلة، ابتسمت، ودخلت معه للمطبخ لتساعده.
عادا مرة أخرى للجلوس في الصالة واحتساء القهوة بالحليب، قالت محاسن لأستاذ نادر "أنا متشوقة لسماع قصتك، لكن قبل أن تبدأ، ما اسمها؟" أجاب "منى الطلحاوي" فسألته "كيف التقيتما؟ ومتى؟ وماذا حدث؟ ولماذا لم تتزوجا؟" ابتسم الأستاذ نادر وقال لها "اكبحي لجام فضولك، فسوف أخبرك بكل شيء". فصمتت محاسن وبدأت تصغي باهتمام.
بدأ الأستاذ نادر بسرد قصته قائلاً "التقيتها منذ زمن طويل في بداية الثلاثينيات من عمري، كانت فتاة بسيطة ذكية جميلة وممتلئة حماساً ونشاطاً، لم أكن أقيم بالقاهرة حينئذ وهي قاهرية المنشأ وعرفنا بعضنا عن طريق المراسلة التي كانت منتشرة حينئذ قبل ظهور الانترنت. حيث كانت المجلات وقتها تنشر عناوين لمن يهوون المراسلة. خطاب بعد آخر ثم تبادلنا الصور، ثم بعد شهور قررنا اللقاء، والتقينا في مقهى شهير بوسط القاهرة وجلسنا نتحدث عن آمالنا وأحلامنا وتطلعاتنا، أعجبنا ببعضنا البعض لكننا لم نظهر أياً من مشاعرنا، تعددت الخطابات وكذلك اللقاءات حتى جاء اليوم الذي صرحت لها بأن لدي الكثير من المشاعر تجاهها، أصرت على أن أقول ما أشعر به بالضبط، وأخذت تكرر طلبها بإلحاح، حتى قلت لها "أحبك" فصمتت لبرهة ثم أجابت "وأنا أيضاً أحبك". حينما سمعتها تهمس بتلك الكلمات شعرت أنني أسعد إنسان في الدنيا". صمت الأستاذ نادر وظهر على ملامحه حزن شديد، فسألته محاسن "وماذا حدث بعد ذلك؟"
أخذ أستاذ نادر نفساً عميقاً وقال "تبدلت طباعها، لم تعد رقيقة وحنونة كما كانت، صارت عنيفة وتعاملني بقسوة، واستمرت على هذا المنوال عام كامل، عدا بعض اللحظات النادرة التي تعود فيها إلى رقتها السابقة"
فسألت محاسن "ولماذا لم تتركها؟" أجاب "لأنني بتلك اللحظات النادرة كنت أشعر بسعادة بالغة معها، وبكل مرة احتملت قسوتها وعنفها وسوء طباعها كان بسبب طمعي في تكرار تلك اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة معها."
- "ألم تعلم لماذا تغيرت بهذا الشكل؟"
- "أخبرتني ذات مرة بأحد تلك اللحظات النادرة، أنها مضطرة لتكون عنيفة معي هكذا، حتى تكبح نفسها عن قول كلمات الحب لي"
- "لا أفهم! لماذا تكبح نفسها؟"
- "حسبما فهمت منها، لأن علاقتنا لن تثمر عن زواج، ولم تخبرني عن السبب، ربما بسبب ظروف اجتماعية لأنني لم أكن قد انتقلت للقاهرة بعد، وربما لأسباب أخرى لم تصرح بها لي، كان هذا ببداية العلاقة، لكن بنهايتها صرحت لي بأنها لا تعلم إن كانت أحبتني منذ البداية أم لا!"
- "لا تعلم؟! كم أكره ما فعلته معك! وماذا حدث بعد ذلك؟"
- "صارت اللحظات النادرة أكثر ندرة، وعنفها أكثر عنفاً، لم تكن تسمح بكلمة أقولها أن تمر دون أن تتشاجر معي حتى لو كانت الكلمة "كيف حالك؟"، تحولت حياتنا إلى جحيم، والأسوأ أنني كنت أتعذب بسبب كل ما يحدث، وهي لا يشغل تفكيرها هذا الأمر أبداً كأنما أصبحت فجأة بلا قلب! ثم قررت أن تنهي كل شيء وأن نادر بالنسبة لها لا وجود له بالحياة أبداً! بعدها صارت حياتي خاوية وفارغة ومؤلمة، تركت عملي ولم أكن أبرح المنزل، وفكرت طويلاً بالانتحار". توقف أستاذ نادر عن الكلام، وسالت دمعة صامته من عينيه.
كادت محاسن أن تبكي لرؤيته بهذا الحزن، وقالت "أنا آسفة جداً لتذكيرك بكل هذا، إن كنت تريد التوقف وعدم الاسترسال في قصتك..."
قاطعها أستاذ نادر قائلاً "لا، سوف أكمل القصة". ارتشف بعض القهوة بالحليب ثم أكمل قائلاً " حاولت نسيانها، فلم أستطع، كان كل شيء حدث محفوراً بذاكرتي، حتى نصحني بعض الأصدقاء بالذهاب لطبيب نفسي، والذي كتب لي بعض الأدوية والمهدئات، التي لم أتناولها لعدم اقتناعي بجدواها، ظللت هكذا لمدة أربعة أشهر، حتى كدت أفقد عقلي، حتى أتى لي خاطر، وهو أن من تركتني ليست هي من أحبتني، إنهما شخصان مختلفان، ارتحت تماماً لهذه الفكرة وقررت الاحتفاظ بمن أحبتني في ذاكرتي والاحتفاظ بصورها أمامي كما ترين، عدت لعملي مبتسماً هادئاً مرتاحاً، مع وجود روتين جديد في حياتي، كلما استيقظت صباحاً قلت لصورتها "صباح الخير يا حبيبتي" وقبل أن أغفو مساءً أقول لصورتها "تصبحين على خير يا حبيبتي" أقبل صورها كلما اشتقت إليها واحياناً في الليالي التي تتعبني فيها الوحدة آخذ صورتها بحضني وأبكي اشتياقاً لها حتى أنام."
تسللت دمعة حزينة فجأة من عين محاسن فأشاحت بوجهها بعيداً كي تمسحها بدون أن يلاحظها أستاذ نادر. ثم تنحنحت لتعيد صوتها لطبيعته وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تسأل "ولماذا لم تتزوج بأخرى حتى تنساها؟"
ابتسم أستاذ نادر كأنما كان يتوقع السؤال وأجاب "لأنني اعتبرت الزواج من واحدة وأنا أحب أخرى هو الخيانة ذاتها، وضميري لا يسمح لي بأن أخون".
فسألته "هل تعلم ما حدث لها بعد ذلك؟ هل غلبك الفضول يوماً لمعرفة كيف أصبحت؟" فأجاب "لا، لم أعلم، لم تسمح لي بالاتصال بها أو التواصل معها مطلقاً، لا أعلم عنها شيئاً حتى اليوم."
ابتسمت محاسن في حزن، وشكرت أستاذ نادر على قصته، وعرضت عليه الاتصال بها في حالة احتاج لأي شيء فهي منذ هذه اللحظة تعتبر نفسها بمثابة ابنته، شكرها أستاذ نادر على عطفها وربت على كتفها برفق، مودعاً إياها حتى الباب.
أخذت محاسن في تلك الليلة تفكر في تلك القصة التي سمعتها، وكيف عاش أستاذ نادر نصف عمره مخلصاً لهذا الحب الضائع، لم يرد أن يتركه يذهب ولم يودعه.
انشغلت محاسن في حياتها ودراستها الجامعية ونسيت هذا الأمر تماماً، وبعد شهرين من هذا اليوم مع أستاذ نادر، عادت للمنزل من الجامعة، لتجد نظرة وجوم على وجه والديها، فسألت عن السبب، أخبراها بأن أستاذ نادر توفى منذ أسبوع، ولم يعلم أحد حتى اشتم الجيران رائحة تعفن الجثة، فنادوا على البواب الذي جاء مسرعاً وكسروا باب الشقة ليجدوه متوفياً ومحتضناً صورة فتاة في العشرينيات من عمرها لم يعرفها أحد. حينما سمعت محاسن تلك الكلمات انهارت باكية حزناً على أستاذ نادر الذي كان مخلصاً لحبه في حياته وموته. تمت.  

Sunday, September 8, 2013

نصائح في الحب


بعض من يعرفني منكم، يعلم أن لدي نظرة خاصة جداً تجاه الحب، فالحب هو الحلو الوحيد بمرارة هذه الحياة، ويمكنه أن يحيل حياة اكتئاب وتعاسة إلى سعادة أبدية. قد تكون نظرتي حالمة بعض الشيء، لكنها بالتأكيد مشروطة.
الحب الذي يؤدي إلى السعادة هو الحب المبني على الثقة المتبادلة، والصراحة التامة، واعتبار الطرفين لنفسيهما كأنهما طرف واحد، لا خصوصيات، لا أسوار، لا جدران، لا أسلاك شائكة! أجل، أكررها، لا خصوصيات! فالخصوصيات والأسرار تخلق جواً من الريبة والشك وإن بدأ ضعيفاً فهو سينتهي بقتل الثقة تماماً! حتى وإن بدأ الطرفان كصديقين مخلصين لبعضهما البعض، فسينتهيان غريبان لا يعرف أحدهما الآخر أبداً.
الحب قادر على تغيير حياة أي شخص للأفضل، يعطيه حماسة ودفعة للأمام وقدرة على تحقيق المستحيل لأجل من يحب، فالحب في ذاته قائم على التضحية المتبادلة والرغبة في الاقتراب الدائم ممن نحب.
لذلك فالحب احتياج، وهذا لا يقلل من قيمته أبداً، بالعكس، يزيدها، فكلنا في احتياج للتنفس والطعام والشراب لنحيا، كذلك نحتاج للحب كي نكون سعداء، هو احتياج إن تحقق صارت حياتنا متوازنة سعيدة في تقدم وازدهار دائم.
أهم سمات الحب كي يستمر، هي التواصل، هي أن لا يتوقف كلا الطرفين عن أن يكونا صديقين. عدم التواصل ينتهي بأن يصبح الطرفين غريبين عن بعضهما البعض (كما يحدث في أغلب الزيجات المبنية على الحب).
من الأشياء الأخرى التي تقتل الحب هي اعتبار وجود الطرف الآخر في العلاقة أمر طبيعي وحتمي وأمر مسلم به Taken for granted ! مما قد يعني إهماله غالباً وخيانته أحياناً... هذا الأمر غير صحيح، ومن يفعلون هذا لا يجنون سوى الألم بفقدان طرف قد احتملهم وصبر عليهم مراراً وتكراراً حتى فاق الأمر احتماله.
كيف نحصل على هذا الحب الذي يجلب السعادة؟ لا أعلم كيفية الوصول إليه، لكن أعلم كيفية تجنب وهم الحب الذي يفضي إلى الألم والندم والحسرة، وسأكتبها على هيئة نصائح.
نصائح للشابات:
·        إن كنت تبحثين عن علاقة دائمة، ابتعدي تماماً عن الشباب الذين يتقربون إليك لأجل جسدك، الذين يريدون أن تثبتي تحررك العقلي بتحرر جسدي فقط لينالوا غرضهم لتصبحي اسماً (وربما رقماً) بقوائم انتصاراتهم. من يحبك ويريد الارتباط بك، ومعجب بعقلك ويمنع نفسه من الاقتراب لجسدك حتى ولو طال الأمر لسنوات، هو فعلاً من يريدك لذاتك، معه للأبد، لا مجرد نزوة ولا طمعاً بجسدك.
·        الحب ليس مجرد كلام جميل يقال، بل هي مواقف عملية يثبت بها الحبيب أنه شخص مناسب لك. تذكري المثل القائل "إن جلست مع حبيبك بالمقهى، وكان لطيفاً معك لكن لم يكن لطيفاً مع النادل، فهو ليس لطيفاً أبداً".
نصائح للشباب:
·        اهرب من الفتاة الملولة المتقلبة هربك من وحوش الغابة بأسوأ كوابيسك. كل ما ستفعله أنها ستسعى ورائك وستكون ألطف ما يكون معك، حتى تسقط بحبائلها وتحبها، وحينما تفعل هذا، ستجدها قد تبدلت تماماً 180 درجة، ستعذبك في شد وجذب لتتأكد أنك لن تفلت من حبالها أبداً، وستتفنن بتحطيمك وتتغذى على مشاعرك ولن تتركك إلا شبه حطام، أو ميت! إنها أسوأ نوع قد يقابلك، فلا تنخدع بلطفها... ولا تثق بحلو كلامها... أبداً!
·        إن كنت لا تهوى العلاقات الدائمة ولا تبحث عنها، فلا تخدع فتاة بالتحدث عن زواج أو علاقة دائمة، صارحها من البداية أنك لا تريد زواجاً ولا تبحث عن ارتباط دائم... طبعاً هذا فقط إن كان لديك من الشجاعة الأدبية والضمير ما يكفي كي لا تخدع من تحبك!
نصائح للمتألمين:
·        احرقوا كل الجسور، لا تبقوا على أي شيء قد يمثل ذكرى بينكم وبين من ترككم، لا تردوا على هواتفهم، لا تحادثوا أصدقائهم، احرقوا كل هداياهم ورسائلهم إليكم، قوموا بحذف أية محادثات على الانترنت أو رسائل هاتفية. ربما كان بينكم ذكريات جميلة، لكن مرارة النهاية ستطغى على كل شيء... فلا تجعلوا المرارة حية،  احرقوا كل شيء، حتى تموت المرارة تحت ركام الذكريات في غياهب النسيان.

لمن يمتلكون سؤالاً يريدون طرحه بخصوص هذا الموضوع، يمكنكم سؤالي على موقع ASK بشكل مجهول Anonymous على هذا الرابط:
http://ask.fm/NagyMonirBahnan