Friday, September 20, 2013

العجوز والصورة

كانت محاسن ذات العشرين عاماً تسكن بأحد المباني القديمة الراقية بحي مصر الجديدة بالقاهرة وتعرف كل سكان المبنى منذ نعومة أظافرها، ترسلها والدتها إليهم في الأعياد بالكعك أو بما تصنعه بيدها بشقتها،  كانت تعرفهم جميعاً وتعرف عنهم كل شيء تقريباً، فهذه شقة مدام سحر صاحبة متجر ملابس وأرملة وتقيم مع ابنها وابنتها اللذان يدرسان بالجامعة، وهذه شقة أستاذ عبد السلام أشرف، المدرس بأحد المدارس الأجنبية الراقية بالقاهرة ويقيم مع زوجته الصعيدية وابنهما الصغير، ومع قدر معرفتها الكبيرة بكل سكان البناية، فتقريباً لم تكن تعلم شيئاً عن أستاذ نادر عبد الهادي، ذلك العجوز الودود الذي تخطى الستين من عمره لكن بصحة جيدة وجسد رياضي ممشوق. فهو قليل الكلام ويعيش بمفرده لا أحد يزوره ولا يخرج إلا لشراء احتياجاته ويعود سريعاً. أدركت بحدسها الأنثوي أن وراء ابتسامته ووجهه الهادئ البشوش سراً كبيراً، وصممت على معرفته.
ذات يوم قابلته على السلم صاعداً يحمل أكياس كثيرة من البقالة، عرضت عليه مساعدته في حملها، فشكرها رافضا أن يتعبها، لكنها أصرت على مساعدته فرضخ لطلبها. حملت بعض الأكياس وصعدت معه إلى حيث شقته، فتح باب الشقة فدلفت أمامه بالدخول في فضول واضح وبدون استئذان.
أخذت تتأمل في الشقة، نظيفة ومرتبة بعناية، لكن ما لفت نظرها بأن في وسط الصالة جدار كامل يحمل مجموعة من الصور المزينة بإطارات ملونة رائعة، وكل الصور لنفس الشخص، فتاة في العشرينيات من عمرها مبتسمة في رقة، وتمتلك عينين واسعتين.
سألت في فضول بدون أن تفارق عينيها الصور "من هذه؟" لم يجبها سوى الصمت. التفتت إليه فوجدته مطرقاً بحزن إلى الأرض. فارتبكت وقالت بسرعة "آسفة، لم أقصد". قال لها "لا عليك، إنها من أحببت نصف سنوات عمري." ترددت في السؤال قبل أن يغلبها فضولها "هل هي زوجتك؟" هز رأسه بالنفي وقال "لا، لم نتزوج، ولم نقترب حتى من هذا". ظهرت على ملامحها معالم عدم الفهم، فابتسم في عطف وقال سأعد لنا كوبين من القهوة بالحليب لتسمعي القصة التي لم أحكها لأحد منذ سنوات طويلة، ابتسمت، ودخلت معه للمطبخ لتساعده.
عادا مرة أخرى للجلوس في الصالة واحتساء القهوة بالحليب، قالت محاسن لأستاذ نادر "أنا متشوقة لسماع قصتك، لكن قبل أن تبدأ، ما اسمها؟" أجاب "منى الطلحاوي" فسألته "كيف التقيتما؟ ومتى؟ وماذا حدث؟ ولماذا لم تتزوجا؟" ابتسم الأستاذ نادر وقال لها "اكبحي لجام فضولك، فسوف أخبرك بكل شيء". فصمتت محاسن وبدأت تصغي باهتمام.
بدأ الأستاذ نادر بسرد قصته قائلاً "التقيتها منذ زمن طويل في بداية الثلاثينيات من عمري، كانت فتاة بسيطة ذكية جميلة وممتلئة حماساً ونشاطاً، لم أكن أقيم بالقاهرة حينئذ وهي قاهرية المنشأ وعرفنا بعضنا عن طريق المراسلة التي كانت منتشرة حينئذ قبل ظهور الانترنت. حيث كانت المجلات وقتها تنشر عناوين لمن يهوون المراسلة. خطاب بعد آخر ثم تبادلنا الصور، ثم بعد شهور قررنا اللقاء، والتقينا في مقهى شهير بوسط القاهرة وجلسنا نتحدث عن آمالنا وأحلامنا وتطلعاتنا، أعجبنا ببعضنا البعض لكننا لم نظهر أياً من مشاعرنا، تعددت الخطابات وكذلك اللقاءات حتى جاء اليوم الذي صرحت لها بأن لدي الكثير من المشاعر تجاهها، أصرت على أن أقول ما أشعر به بالضبط، وأخذت تكرر طلبها بإلحاح، حتى قلت لها "أحبك" فصمتت لبرهة ثم أجابت "وأنا أيضاً أحبك". حينما سمعتها تهمس بتلك الكلمات شعرت أنني أسعد إنسان في الدنيا". صمت الأستاذ نادر وظهر على ملامحه حزن شديد، فسألته محاسن "وماذا حدث بعد ذلك؟"
أخذ أستاذ نادر نفساً عميقاً وقال "تبدلت طباعها، لم تعد رقيقة وحنونة كما كانت، صارت عنيفة وتعاملني بقسوة، واستمرت على هذا المنوال عام كامل، عدا بعض اللحظات النادرة التي تعود فيها إلى رقتها السابقة"
فسألت محاسن "ولماذا لم تتركها؟" أجاب "لأنني بتلك اللحظات النادرة كنت أشعر بسعادة بالغة معها، وبكل مرة احتملت قسوتها وعنفها وسوء طباعها كان بسبب طمعي في تكرار تلك اللحظات التي شعرت فيها بالسعادة معها."
- "ألم تعلم لماذا تغيرت بهذا الشكل؟"
- "أخبرتني ذات مرة بأحد تلك اللحظات النادرة، أنها مضطرة لتكون عنيفة معي هكذا، حتى تكبح نفسها عن قول كلمات الحب لي"
- "لا أفهم! لماذا تكبح نفسها؟"
- "حسبما فهمت منها، لأن علاقتنا لن تثمر عن زواج، ولم تخبرني عن السبب، ربما بسبب ظروف اجتماعية لأنني لم أكن قد انتقلت للقاهرة بعد، وربما لأسباب أخرى لم تصرح بها لي، كان هذا ببداية العلاقة، لكن بنهايتها صرحت لي بأنها لا تعلم إن كانت أحبتني منذ البداية أم لا!"
- "لا تعلم؟! كم أكره ما فعلته معك! وماذا حدث بعد ذلك؟"
- "صارت اللحظات النادرة أكثر ندرة، وعنفها أكثر عنفاً، لم تكن تسمح بكلمة أقولها أن تمر دون أن تتشاجر معي حتى لو كانت الكلمة "كيف حالك؟"، تحولت حياتنا إلى جحيم، والأسوأ أنني كنت أتعذب بسبب كل ما يحدث، وهي لا يشغل تفكيرها هذا الأمر أبداً كأنما أصبحت فجأة بلا قلب! ثم قررت أن تنهي كل شيء وأن نادر بالنسبة لها لا وجود له بالحياة أبداً! بعدها صارت حياتي خاوية وفارغة ومؤلمة، تركت عملي ولم أكن أبرح المنزل، وفكرت طويلاً بالانتحار". توقف أستاذ نادر عن الكلام، وسالت دمعة صامته من عينيه.
كادت محاسن أن تبكي لرؤيته بهذا الحزن، وقالت "أنا آسفة جداً لتذكيرك بكل هذا، إن كنت تريد التوقف وعدم الاسترسال في قصتك..."
قاطعها أستاذ نادر قائلاً "لا، سوف أكمل القصة". ارتشف بعض القهوة بالحليب ثم أكمل قائلاً " حاولت نسيانها، فلم أستطع، كان كل شيء حدث محفوراً بذاكرتي، حتى نصحني بعض الأصدقاء بالذهاب لطبيب نفسي، والذي كتب لي بعض الأدوية والمهدئات، التي لم أتناولها لعدم اقتناعي بجدواها، ظللت هكذا لمدة أربعة أشهر، حتى كدت أفقد عقلي، حتى أتى لي خاطر، وهو أن من تركتني ليست هي من أحبتني، إنهما شخصان مختلفان، ارتحت تماماً لهذه الفكرة وقررت الاحتفاظ بمن أحبتني في ذاكرتي والاحتفاظ بصورها أمامي كما ترين، عدت لعملي مبتسماً هادئاً مرتاحاً، مع وجود روتين جديد في حياتي، كلما استيقظت صباحاً قلت لصورتها "صباح الخير يا حبيبتي" وقبل أن أغفو مساءً أقول لصورتها "تصبحين على خير يا حبيبتي" أقبل صورها كلما اشتقت إليها واحياناً في الليالي التي تتعبني فيها الوحدة آخذ صورتها بحضني وأبكي اشتياقاً لها حتى أنام."
تسللت دمعة حزينة فجأة من عين محاسن فأشاحت بوجهها بعيداً كي تمسحها بدون أن يلاحظها أستاذ نادر. ثم تنحنحت لتعيد صوتها لطبيعته وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تسأل "ولماذا لم تتزوج بأخرى حتى تنساها؟"
ابتسم أستاذ نادر كأنما كان يتوقع السؤال وأجاب "لأنني اعتبرت الزواج من واحدة وأنا أحب أخرى هو الخيانة ذاتها، وضميري لا يسمح لي بأن أخون".
فسألته "هل تعلم ما حدث لها بعد ذلك؟ هل غلبك الفضول يوماً لمعرفة كيف أصبحت؟" فأجاب "لا، لم أعلم، لم تسمح لي بالاتصال بها أو التواصل معها مطلقاً، لا أعلم عنها شيئاً حتى اليوم."
ابتسمت محاسن في حزن، وشكرت أستاذ نادر على قصته، وعرضت عليه الاتصال بها في حالة احتاج لأي شيء فهي منذ هذه اللحظة تعتبر نفسها بمثابة ابنته، شكرها أستاذ نادر على عطفها وربت على كتفها برفق، مودعاً إياها حتى الباب.
أخذت محاسن في تلك الليلة تفكر في تلك القصة التي سمعتها، وكيف عاش أستاذ نادر نصف عمره مخلصاً لهذا الحب الضائع، لم يرد أن يتركه يذهب ولم يودعه.
انشغلت محاسن في حياتها ودراستها الجامعية ونسيت هذا الأمر تماماً، وبعد شهرين من هذا اليوم مع أستاذ نادر، عادت للمنزل من الجامعة، لتجد نظرة وجوم على وجه والديها، فسألت عن السبب، أخبراها بأن أستاذ نادر توفى منذ أسبوع، ولم يعلم أحد حتى اشتم الجيران رائحة تعفن الجثة، فنادوا على البواب الذي جاء مسرعاً وكسروا باب الشقة ليجدوه متوفياً ومحتضناً صورة فتاة في العشرينيات من عمرها لم يعرفها أحد. حينما سمعت محاسن تلك الكلمات انهارت باكية حزناً على أستاذ نادر الذي كان مخلصاً لحبه في حياته وموته. تمت.  

Sunday, September 8, 2013

نصائح في الحب


بعض من يعرفني منكم، يعلم أن لدي نظرة خاصة جداً تجاه الحب، فالحب هو الحلو الوحيد بمرارة هذه الحياة، ويمكنه أن يحيل حياة اكتئاب وتعاسة إلى سعادة أبدية. قد تكون نظرتي حالمة بعض الشيء، لكنها بالتأكيد مشروطة.
الحب الذي يؤدي إلى السعادة هو الحب المبني على الثقة المتبادلة، والصراحة التامة، واعتبار الطرفين لنفسيهما كأنهما طرف واحد، لا خصوصيات، لا أسوار، لا جدران، لا أسلاك شائكة! أجل، أكررها، لا خصوصيات! فالخصوصيات والأسرار تخلق جواً من الريبة والشك وإن بدأ ضعيفاً فهو سينتهي بقتل الثقة تماماً! حتى وإن بدأ الطرفان كصديقين مخلصين لبعضهما البعض، فسينتهيان غريبان لا يعرف أحدهما الآخر أبداً.
الحب قادر على تغيير حياة أي شخص للأفضل، يعطيه حماسة ودفعة للأمام وقدرة على تحقيق المستحيل لأجل من يحب، فالحب في ذاته قائم على التضحية المتبادلة والرغبة في الاقتراب الدائم ممن نحب.
لذلك فالحب احتياج، وهذا لا يقلل من قيمته أبداً، بالعكس، يزيدها، فكلنا في احتياج للتنفس والطعام والشراب لنحيا، كذلك نحتاج للحب كي نكون سعداء، هو احتياج إن تحقق صارت حياتنا متوازنة سعيدة في تقدم وازدهار دائم.
أهم سمات الحب كي يستمر، هي التواصل، هي أن لا يتوقف كلا الطرفين عن أن يكونا صديقين. عدم التواصل ينتهي بأن يصبح الطرفين غريبين عن بعضهما البعض (كما يحدث في أغلب الزيجات المبنية على الحب).
من الأشياء الأخرى التي تقتل الحب هي اعتبار وجود الطرف الآخر في العلاقة أمر طبيعي وحتمي وأمر مسلم به Taken for granted ! مما قد يعني إهماله غالباً وخيانته أحياناً... هذا الأمر غير صحيح، ومن يفعلون هذا لا يجنون سوى الألم بفقدان طرف قد احتملهم وصبر عليهم مراراً وتكراراً حتى فاق الأمر احتماله.
كيف نحصل على هذا الحب الذي يجلب السعادة؟ لا أعلم كيفية الوصول إليه، لكن أعلم كيفية تجنب وهم الحب الذي يفضي إلى الألم والندم والحسرة، وسأكتبها على هيئة نصائح.
نصائح للشابات:
·        إن كنت تبحثين عن علاقة دائمة، ابتعدي تماماً عن الشباب الذين يتقربون إليك لأجل جسدك، الذين يريدون أن تثبتي تحررك العقلي بتحرر جسدي فقط لينالوا غرضهم لتصبحي اسماً (وربما رقماً) بقوائم انتصاراتهم. من يحبك ويريد الارتباط بك، ومعجب بعقلك ويمنع نفسه من الاقتراب لجسدك حتى ولو طال الأمر لسنوات، هو فعلاً من يريدك لذاتك، معه للأبد، لا مجرد نزوة ولا طمعاً بجسدك.
·        الحب ليس مجرد كلام جميل يقال، بل هي مواقف عملية يثبت بها الحبيب أنه شخص مناسب لك. تذكري المثل القائل "إن جلست مع حبيبك بالمقهى، وكان لطيفاً معك لكن لم يكن لطيفاً مع النادل، فهو ليس لطيفاً أبداً".
نصائح للشباب:
·        اهرب من الفتاة الملولة المتقلبة هربك من وحوش الغابة بأسوأ كوابيسك. كل ما ستفعله أنها ستسعى ورائك وستكون ألطف ما يكون معك، حتى تسقط بحبائلها وتحبها، وحينما تفعل هذا، ستجدها قد تبدلت تماماً 180 درجة، ستعذبك في شد وجذب لتتأكد أنك لن تفلت من حبالها أبداً، وستتفنن بتحطيمك وتتغذى على مشاعرك ولن تتركك إلا شبه حطام، أو ميت! إنها أسوأ نوع قد يقابلك، فلا تنخدع بلطفها... ولا تثق بحلو كلامها... أبداً!
·        إن كنت لا تهوى العلاقات الدائمة ولا تبحث عنها، فلا تخدع فتاة بالتحدث عن زواج أو علاقة دائمة، صارحها من البداية أنك لا تريد زواجاً ولا تبحث عن ارتباط دائم... طبعاً هذا فقط إن كان لديك من الشجاعة الأدبية والضمير ما يكفي كي لا تخدع من تحبك!
نصائح للمتألمين:
·        احرقوا كل الجسور، لا تبقوا على أي شيء قد يمثل ذكرى بينكم وبين من ترككم، لا تردوا على هواتفهم، لا تحادثوا أصدقائهم، احرقوا كل هداياهم ورسائلهم إليكم، قوموا بحذف أية محادثات على الانترنت أو رسائل هاتفية. ربما كان بينكم ذكريات جميلة، لكن مرارة النهاية ستطغى على كل شيء... فلا تجعلوا المرارة حية،  احرقوا كل شيء، حتى تموت المرارة تحت ركام الذكريات في غياهب النسيان.

لمن يمتلكون سؤالاً يريدون طرحه بخصوص هذا الموضوع، يمكنكم سؤالي على موقع ASK بشكل مجهول Anonymous على هذا الرابط:
http://ask.fm/NagyMonirBahnan