Thursday, July 31, 2014

Nickleback - If Today Was Your Last Day - Arabic Translation

أقرب أصدقائي أعطاني أفضل نصيحة
قال: "كل يوم ما هو إلا هدية، وليس حقاً ممنوحاً لك،
لا تترك حجراً إلا وقلبته، واترك مخاوفك ورائك،
وحاول سلوك الطريق الذي لم يطرقه الكثيرون،
أول خطوة تأخذها، هي أوسع خطوة"
ماذا لو كان هذا يومك الأخير؟
وكان الغد متأخراً جداً، 
هل يمكنك توديع الأمس؟
هل ستعيش كل لحظة كأنها الأخيرة؟
وتترك الصور القديمة في الماضي؟
وتتبرع بكل ما تملك؟
إن كان هذا هو يومك الأخير.

يجب أن تكون طريقة حياتك هو السير عكس الاتجاه
ما يستحق الثمن، دوماً يستحق الكفاح لأجله. 
كل ثانية مهمة، لأن لا توجد محاولة ثانية.
لذا عش كأنك لن تعيش مرتين.
لا تسلك الطرق السهلة بحياتك.

ماذا لو كان هذا يومك الأخير؟
وكان الغد متأخراً جداً، 
هل يمكنك توديع الأمس؟
هل ستعيش كل لحظة كأنها الأخيرة؟
وتترك الصور القديمة في الماضي؟
وتتبرع بكل ما تملك؟
إن كان هذا هو يومك الأخير.
هل ستتصل بأصدقائك الذين لم ترهم لفترة طويلة؟
هل ستتذكر ذكرياتك القديمة؟
هل ستسامح أعدائك؟
هل ستبحث عن الشخص الذي تحلم به؟
وتقسم بكل عزيز لديك أنك ستحب أخيراً؟
إن كان هذا يومك الأخير.

إن كان هذا يومك الأخير،
هل ستترك علامة بإصلاح قلب محطم؟
تعلم أن الوقت ليس متأخراً لتتطلع بطموحك عالياً، أياً كنت.
لذا افعل ما تستطيع، لأنك لا تقدر على الرجوع بأي لحظة بحياتك للوراء.
لا تدع شيئاً يقف في طريقك، لأن عقارب الساعة لن تكون أبداً لصالحك.

ماذا لو كان هذا يومك الأخير؟
وكان الغد متأخراً جداً، 
هل يمكنك توديع الأمس؟
هل ستعيش كل لحظة كأنها الأخيرة؟
وتترك الصور القديمة في الماضي؟
وتتبرع بكل ما تملك؟
هل ستتصل بأصدقائك الذين لم ترهم لفترة طويلة؟
هل ستتذكر ذكرياتك القديمة؟
هل ستسامح أعدائك؟
هل ستبحث عن الشخص الذي تحلم به؟
وتقسم بكل عزيز لديك أنك ستحب أخيراً؟
إن كان هذا يومك الأخير.


Saturday, April 19, 2014

الاستنساخ



جلس حسين على مكتبه الصغير في معمله بالمنزل، أحنى رأسه على مكتبه في إحباط، فبعد خمس سنوات كاملة من الأبحاث لم يصل بعد لنتيجة مرضية. أخذ يتذكر رغماً عنه كيف بدأت الأحداث التي دفعته للانعزال والاستغراق في هذا البحث المضني للتوصل إلى اكتشاف لم يصل له العلم المعاصر بعد.
تبدأ الأحداث منذ 5 سنوات حينما تخرج حسين من كلية العلوم جامعة القاهرة، الأول على دفعته، ممتلئاً بروح الشباب والتفاؤل ليتلقى صدمته الأولى من حبيبته وزميلته سمر، بأنها ستتركه لتتزوج بآخر. كادت الصدمة أن تفقده النطق، ترك كل شيء واعتزل الحياة تقريباً، حتى لاحت له فكرة تشبث بها بشدة فهي أمله الوحيد أن يستمر مع محبوبته التي أعطاها كل قلبه. طلب لقائها لأمر ضروري، فوافقت على مضض بعد إلحاح منه، وكانت حجته أن ينفصلا بشكل هادئ ودي. تلاقيا في مكانهما المعتاد، وكانت كلماتها موجعة جداً بالنسبة له، لكنه كان يضع الخطة التي تبلورت في عقله أمامه طيلة الوقت، لذلك كان مبتسماً في هدوء لا مبالي. وبعدما انتهت سمر من مشروبها، واستأذنت لتمضي، تركها تمضي مودعاً إياها متمنياً لها حياة سعيدة. واتفق مع صاحب المقهى أنه سيحصل على هذا الكوب لأمر هام، ودفع أضعاف ثمنه ليحصل عليه، وضعه في حقيبة خاصة، وانطلق لمعمله المنزلي. أجل، كان كل ما يهمه بتلك اللحظة أنه يحمل الحمض النووي الخاص بسمر.  فالخطة في بساطتها هي شديدة التعقيد، إن كانت سمر الأولى قد تركته، فلما لا يسخّر العلم ليحصل على سمر أخرى.
لذلك ظل يجتهد بالخمس أعوام التالية كي يجد طريقة ليستنسخ سمر ويتخطى كل العقبات العلمية المعروفة بهذا الأمر. بل ليضيف لهذا جهاز لتجميد وظائفه الحيوية لمدة 20 عاماً حتى تكبر سمر الجديدة ليحبها وتحبه. سد أذنيه عن نصيحة صديقيه أحمد الطبيب النفسي وزوجته منى اللذان ترجياه كثيراً بالاستسلام والبحث عن أخرى، فقبلا ما يفعله بصمت.  
حتى أتت اللحظة التي تواجه كل عالم مثابر، ربما هي إلهام، أو قوة عليا توجهه، أياً كانت، فقد بدأ يجني ثمارها. وظهر النجاح في التجربة تلو الأخرى. حضّر رحماً صناعياً بالمعمل مجهزاً لنمو النسخة الجديدة به. استمر في مراقبة التجربة تسعة أشهر كاملة. حتى ولدت الطفلة الجديدة. سمر!
عرض الأمر على صديقيه، أحمد ومنى، وطلب أن يتبنيا سمر على أنها ابنتهما، في البداية رفضا بشدة، لكنهما رضخا للأمر بعدما شرح لهما حسين الخطة بكاملها، وبعدما رأيا الطفلة الجميلة سمر.  
تم الأمر رسمياً، وكان حسين قد استعد، وهب لصديقيه كل ما يملك حتى المعمل، لينفقا على سمر ويعلماها بشكل مشابه لسمر الأصلية، لتسير حياتها بنفس النمط الذي يعرفه عن سمر الأصلية. واستعد هو ليدخل جهاز التجميد، لمدة عشرين عاماً، آملاً أن ينجح الأمر ويخرج منه ليلتقي بسمر مجدداً.
بعد أن أصبح كل شيء جاهزاً، حانت اللحظة المنشودة، ودخل الجهاز، وأغمض عينيه موصياً صديقيه أن يتركا المعمل كما هو ويحافظا على المعمل كما هو للعشرين عاماً القادمة.
أغمض عينيه وبدأ الجهاز عمله، ثم فتح عينيه مرة أخرى، كأنما مرت لحظة واحدة. لكن كان كل شيء مختلفاً. وجد أمامه صديقه أحمد، وقد انحسر شعر رأسه وامتلأ ما تبقى منه بالشيب. كان استيعابه للأمور بطيئاً بالبداية، مما جعل صديقه أحمد - الذي صار طبيباً نفسياً شهيراً -  أن يذكره بكل شيء ويطمئنه على أن الخطة تسير بحذافيرها.
سر حسين كثيراً حينما شاهد وجهه بالمرآة، فما زال يحتفظ وجهه بنضارته كأنما لم يدخل للثلاثينيات من عمره بعد. سأل صديقه أحمد عن سمر، وهل هي بخير؟ أجابه بأنها بخير وأنهما سيقدمانه لها في أقرب وقت ممكن حينما يستعد.
تطلب الأمر أسبوعاً من حسين ليكون مستعداً وتنحسر أثار جهاز التجميد، ذهب لدعوة عشاء بمنزل صديقه أحمد، سلم على صديقته منى زوجة أحمد بحرارة. وقد أخبرا سمر بأنه صديق العائلة.
حينما تقابل مع سمر، كأنما توقف قلبه، لقد كانت كما كان يتخيلها تماماً، نفس الفتاة التي أحبها حينما كان بالكلية. وزادت سعادته جداً حينما بدا انجذاب سمر إليه واضحاً.
مرت الأيام وزادت المقابلات، خرجا سوياً تحدثا كثيراً، أخبرها بحبه لها، وانتظر رد فعلها، فأخبرته أنها أيضاً تحبه. شعر حسين أخيراً بأنه لم يهدر حياته عبثاً، تحقق حلمه وستدوم سعادته هذه المرة.
بعد مضي أشهر على هذه العلاقة السعيدة، بدأت سمر تتغير تجاهه، لا تتحدث كثيراً، لا ترد على اتصالاته إلا نادراً. حاول أن يتقرب منها أكثر لكنها بدأت بصده. سأل صديقيه عن سر هذا التغير، أجاباه بأنهما لا يعرفان.
 حاول سؤالها مباشرة، فأجابته بكل صراحة تصل إلى حد الوقاحة، أنها لم تعد تحبه، وأنها تنوي الزواج من آخر.
كانت الصدمة قاسية على حسين، لثاني مرة في حياته بعد مرور كل هذه السنوات، ترفضه سمر.
انعزل في معمله مرة أخرى، ولثاني مرة حاول صديقيه ثنيه عن هذا، لكنه لم يعد يريد مغادرة معمله أو مواجهة العالم مجدداً، فقد أثبت لنفسه أنه أضاع حياته هدراً!
وقرر كحل أخير للتخلص من كل يأسه وإحباطه وكآبته أن يدخل جهاز التجميد، موصيا صديقيه ألا يحاولا إخراجه منه مهما حدث.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور، ما زال حسين في جهاز التجميد، يحلم بسمر حبيبته التي هواها قلبه ومنحها كل حياته.  

Wednesday, February 19, 2014

حكاية مي - نهاية مختلفة

أخذ وكيل النيابة أشرف عبد العال يرتب أوراقه وهو يمعن النظر إلى الفتاة الهزيلة الماثلة أمامه وهي مطرقة برأسها إلى الأرض، تمتلك بعض ملامح الجمال، لكن الهالات السوداء تحت عينيها وانتفاخهما من البكاء غيرت الكثير من ملامحها. أشار إلى كاتبه ليبدأ بكتابة المحضر، رمق الفتاة بنظرة طويلة ثم أخذ شهيقاً عميقاً وسألها : س: اسمك؟
أجابت: مي محمد عبد الهادي
س: عمرك؟
ج: 25 عاماً
س: محل الميلاد؟
ج: قرية صغيرة بمحافظة القليوبية
س: ومحل إقامتك الحالي؟
ج: شبرا، محافظة القاهرة
س: المهنة؟
ج: معلمة بمدرسة ابتدائية
س: لماذا قتلت المجني عليه؟
أطرقت مي برأسها مرة أخرى ثم أجهشت بالبكاء، رمقها أشرف بشفقة وعطف، ثم نظر إلى كاتبه وأشار إليه أن يتركهما وحدهما. أغلق الكاتب باب الغرفة، فقدم لها كوب من الماء وطلب منها أن تشرب، أمسكت كوب الماء بيد ترتعش بشدة حتى كاد الماء أن يسقط من الكوب، لكنها عضدتها باليد الأخرى لتزدرد الماء بصعوبة بالغة وسط دموعها الغزيرة.
قال لها: "لا يوجد كاتب ولا محضر الآن، أريد أن أعرف قصتك، كيف حدث كل هذا؟ ولماذا؟ ما هي قصتك يا مي؟"
رمقته مي بنظرة يملئها الشك، لكن ما بين شعره الأبيض الكث ووجهه المكتنز ونظرته الحانية شيء ما أعطاها إحساساً بالراحة وأن أخيراً قد يكون لها صديق تحكي له حياتها ولو لآخر مرة.
أخذت نفساً عميقاً، ثم بدأت بسرد حكايتها:
كما أخبرتك أنا من قرية صغيرة بمحافظة القليوبية، كنت الوسطى بين أخواتي الخمسة وكلهن فتيات، الفارق بيني وبين الكبرى 4 سنوات، حينما كان عمري 10 سنوات أتى لنا من يبشرنا بأن أختي منال ذات الـ14 ربيعاً قد طلبها زوجاً، لم أكن أفهم معنى هذا الأمر، فرحنا جميعاً بهذا الخبر خاصة والدي ووالدتي، وأخذا بتجهيز أختي لإرسالها لزوجها الخليجي المقيم بالقاهرة، لكن بخلاف ما كنا نعرفه من مشاهدة التلفاز، لم يكن ثمة حفل زفاف، ولم تكن تعلم أختي ماذا يحدث بالضبط، كل ما علمناه أن هذا العريس قد دفع حفنة من الدولارات ليد من جاء ليبشرنا ووعده بالمزيد، وفي يوم لم نجد أختي بيننا، لكن أمنا أخبرتنا أنها تزوجت، وأننا سنتزوج مثلها لاحقاً. خفت وارتعبت، هل من تتزوج تختفي هكذا ولا يراها أهلها مرة أخرى؟ أحب أخواتي جداً، ولا أريد أن أفترق عنهن فجأة.
مرت الأيام وتحولت لأسابيع، وبعد شهرين عادت أختي إلينا بهالات سوداء تحت عينيها ولا تكف عن البكاء، وفي مشهد معاكس رأيت أبي وأمي مزهوان وفخوران بها. سألتها ونحن وحدنا عما حدث، فأجهشت بالبكاء، لكنها أخبرتني عن أن العريس مجرد زائر خليجي في رحلة عمل لمصر، يبحث عن عروس بكر صغيرة السن ليفترس طفولتها وينهش جسدها الصغير النحيل ليتباهى بفحولته الزائفة أمام أقرانه، مقابل عقد عرفي ومبلغاً من المال يدفعه لأبينا. وأخذت تحكي لي كيف كان يضربها ويتلذذ بضربها ويضحك لصراخها ويعاملها كأنما هي جارية اشتراها بأمواله يفعل بها ما يشاء. وحينما انتهت زيارته لمصر، طلقها ليعود إلى بلده ويرجع لمصر العام القادم باحثاً عن أخرى.
توقفت مي عن الاسترسال لتسيل دموعها في صمت، شعر أشرف بطعام إفطاره يكاد يعود أدراجه ليغادر فمه، لكنه تمالك نفسه، وعاد يسألها، وماذا فعلت بعد ذلك؟
صمتت مي لبرهة، ثم أجابت: "حينئذ تبلورت في ذهني خطة الهروب، وزاد إصراري عليها الكوابيس التي كنت أراها كل ليلة، وبكاء أختي المستمر، وعودة نفس الشخص الذي بشرنا أولاً، ليخبرنا بأن ثمة عريس خليجي آخر لأختي، لكن لقاء مبلغ أقل، لأنها لم تعد بكراً! أصاب الهلع أختي، ورفضت بشدة وحاولت الهرب، لكن انهال عليها أبي ضرباً بكل قسوة أمامنا حتى..." هنا تهدج صوت مي وأخذت تلهث كأنما تلك الذكريات حية جاثمة أمامها "حتى انكسر ظهرها، وأصبحت قعيدة مشلولة ليومنا هذا".
اتسعت عينا أشرف في ذهول من قسوة هذا الأب، وأراد أن يمد يده ليربت على كتفها، لكنها أجفلت ناظرة إلى يده في رعب، فتراجع قائلاً: "لا تخافي، أردت فقط أن أربت على كتفك، لكن لا بأس، اكملي أرجوك"
أكملت مي قائلة: "أمر أبي أمي بأن تجهز سهى أختي ذات الـ12 عاماً لتذهب، ولم ترفض سهى، إذ كانت مرعوبة من أن تلاقي مصير منال. وأخبر أبي من جاءنا بالخبر، أن يزيد من الأموال إذ سيرسل له فتاة بكراً، وهذا ما حدث، وأرسل أختي لتعود بعد شهر لكن في حالة مختلفة، إذ كانت مسرورة، هذا الخليجي العجوز كان يغدق عليها بالهدايا والأموال ويحسن معاملتها، ولكن لم يفت هذا في عزيمتي، فقد زاد تصميمي على الهروب".
فسألها: "وكيف تمكنت من الهروب؟"

أخذت مي بالتقاط أنفاسها وارتشفت القليل من كوب الماء قبل أن تكمل: "أمي وأخواتي ينمن مبكراً، واعتاد أبي أن يسهر على المقهى كل يوم حتى منتصف الليل، في ليلة هروبي أخذت ما استطعت من مال كنت أدخره لهذا اليوم، ولفافة وضعت بها خبز جاف وجبن، وتسللت من المنزل وانطلقت أعدو حتى وصلت للطريق السريع خارج القرية، أشرت لسيارة أجرة في طريقها للقاهرة فتوقفت واستقللتها".
سألها أشرف: "ألم تشعري بالخوف وأنت بهذا السن الصغير من أن يعتدي عليك أحد؟"
أجابت بحزم: "وهذا ما كانوا يظنونه بالمنزل، لذلك لم يتوقعوا هروبي، بالإضافة إلى أنني لم أعد أشعر بالخوف بعد ما رأيته وسط أسرتي، أياً كانت الوحوش تسكن، فهي في ذلك المنزل، وفي تلك القرية!"
صمت أشرف لبرهة ليتأملها، بدا له أن ظروف الحياة القاسية تعطي البشر شجاعة لم يكونوا ليمتلكوها بالظروف العادية.
سألها: "إلى أين كنت تنوين الذهاب في القاهرة؟"
أجابت مي: "لدي خالة، أسمع عنها الكثير من القصص منذ مولدي، كيف ثارت على أحوال القرية وهربت مع حبيبها من القرية ليتزوجا ويعيشان سوياً بالقاهرة، وقد تمكنت من الأحاديث القليلة التي أثيرت أمامي عنها من معرفة أين تسكن بالتقريب، وصممت بالذهاب للبحث عنها، من القليل الذي جمعته أنها تسكن بحي شبرا بالقاهرة بجانب كنيسة..."
قاطعها أشرف: "لكن شبرا مليئة بالكنائس، كيف تمكنت من إيجادها؟"
صمتت مي لبرهة وبدا أنها تتذكر ثم أجابت: "بحثت عنها لمدة ثلاثة أيام متتالية، كنت أقضي كل يوم في البحث أسأل كل حارس عقار يجاور كنيسة عنها وأغفو ليلاً على كورنيش النيل، حتى تكلل بحثي بالنجاح في اليوم الثالث، أذكر أنني حينما طرقت باب الشقة، فتحت لي سيدة جميلة شعرها كستنائي منسدل على كتفيها، ابتسمت في وجهي وأخبرتني أن أنتظر لحظة".
سألها في تعجب: "لماذا؟"
أجابت: "لأنها ظنتني متسولة، كانت هيئتي مزرية بعد أن أمضيت أياماً أبحث عنها نهاراً وأنام بالشارع ليلاً".
- "وماذا فعلت؟"
- "
عادت لتعطني مالاً في يدي مع ابتسامة حانية، فسألتها "هل أنت خالتي منى؟" تسمرت مكانها للحظات ثم سألتني "من أنت؟" أجبتها "أنا مي ابنة أختك من القرية، هربت منهم وبحثت عنك حتى وجدتك" تجمدت خالتي مكانها للحظات حتى ظننت أنها ستطردني، لكن فجأة فتحت ذراعيها واحتضنتني وأخذت تذرف دموعها رغماً عنها وتقبلني، وأدخلتني لشقتها، نظفتني من أتربة الشارع وأعدت لي الطعام واهتمت بي أكثر مما رأيته من أمي، وعلمت السبب بعدها أنها وزوجها لم ينجبا أطفال وكانت تشتاق لطفل أو طفلة يملأ حياتها، وأخذت تحكي لي قصتها وكيف هربت مع حبيبها وتزوجا بالقاهرة، وكيف عمل مع تاجر كبير وتدرج في عمله لذكائه وكفاءته حتى صار هو نفسه تاجراً كبيراً، وحينما عاد زوجها عرفته علي وأخذته لغرفة جانبية ليتحدثا معاً ثم عادا ليخبراني بأنهما لن يعيداني إلى أهلي وأنني مرحب بي بالإقامة معهما كما أشاء كأنني ابنتهما."
ابتسم أشرف ابتسامة حانية حينما لاحظ الابتسامة الواسعة المرتسمة على وجه مي وهي تستعيد هذه الذكريات. ثم سألها: "وهل بحث أهلك عنك؟ وهل وجدوك؟"
ماتت الابتسامة على شفتي مي، وقالت: "أجل، بحثوا عني، ووجدني أبي عند خالتي بعد شهور، لكن خالتي تصدت له وهددت بأنها ستبلغ الشرطة عن كل حكيته لها عن ما فعله بأختي المسكينة، رحل وهو يسب ويلعن ويهدد بأنه سيطلق أمي انتقاماً من خالتي."
- "وماذا حدث بعد ذلك؟"
- "
عشت مع خالتي وزوجها كأبنة لهما، وقد عاملاني أفضل معاملة ويحنوان علي طيلة الوقت، أكملت تعليمي بالقاهرة، حتى التحقت بكلية تربية جامعة القاهرة وتخرجت لأعمل معلمة بمدرسة ابتدائية قريبة من المنزل."
- "
أشعر أننا نقترب من الأحداث التي تسببت فيما نحن هنا لصدده. ماذا حدث يا مي؟ لماذا تقدم شابة طيبة مكافحة متعلمة مثلك على القتل؟"
أطلقت مي زفرة حارة من أعماق صدرها وبدا على ملامحها الألم وهي تتذكر الأحداث التي حولتها من معلمة لقاتلة.
وبدأت مي بسرد الأحداث قائلة: "أمام المدرسة ثمة محل كبير لإصلاح السيارات يمتلكه رجل عجوز طيب لكن بحكم سنه لم يعد يستطيع متابعة المحل بنفسه، وترك هذه المهمة لابنه، وهو شاب مدلل يجلس ليدخن أمام المدرسة ويراقب الفتيات أثناء خروجهن من المدرسة."
- "
الفتيات الصغيرات بالمدرسة الابتدائية؟"
- "
أجل! لاحظته أكثر من مرة يحاول التقرب لأي فتاة يعجبه ملامحها أثناء خروجنا من المدرسة، أحياناً يتحرش بواحدة لفظياً، وأحياناً يحاول أن يعطي حلوى لأخرى لاستدراجها، تلقيت شكاوي كثيرة من الفتيات، وبحكم نشأتي أعلم أنهن لن تستطعن إبلاغ آبائهن. ذهبت في يوم لأتحدث معه على أمل أن يرتدع عن أفعاله، لكن رغم أنني تحدثت معه بكل لين وأدب، غضب وثار بل وتمادى بصفعي على وجهي بالشارع أمام المارة."
سألها أشرف: "وهل تدخل المارة لمنعه؟"
 
ابتسمت مي بمرارة، وقالت "بهذه الأيام، لا يتدخل المارة إلا ما يرونه حفظاً للآداب العامة، كمثل أن فتاة وحبيبها يمسكان أيدي بعضهما، أو فتاة تسير بدون غطاء للشعر، لكن أن يصفع ذكر أنثى في الشارع لا يعتبر - في رأيهم - مخالفاً للآداب العامة."
انتقلت الابتسامة المريرة لشفتي أشرف، وقال: "للأسف هذا ما صرنا عليه اليوم، أرجوك استمري."
أمسكت مي بكوب الماء وارتشفت آخر ما فيه، ثم قالت بحزن: "ذهبت لأبيه واشتكيت له، أخبرني أنه سيتصرف، لكن بعدما علم هذا الشاب بما فعلت، زادت الأمور تعقيداً. أصبح يزيد من تحرشاته بالفتيات أثناء الخروج من المدرسة خاصة حينما أخرج أنا، كأنما يعلن لي في تحد أنني لا أستطيع إيقافه، وفي أكثر من مرة حرض أصدقائه الذين يمتلكون درجات بخارية لسرقتي أو التحرش بي."
سألها أشرف: "ولماذا لم تبلغي الشرطة عن هذه الأفعال؟"
أجابت مي: "ذهبت للشرطة وحاولت الإبلاغ، لكن الضابط أخبرني أن ليس لديه وقت لهذه الأمور التافهة، وأنه لن يفتح محضر لهذا الأمر. واكتشفت بعدها أن هذا الضابط عميل مستمر عنده وهذا الشاب يصلح له سيارته ويبدل قطع غيارها مجاناً كرشوة له. حينئذ قررت أن أبتعد عن طريقه تماماً وأخرج من المدرسة متأخرة لعله ينتظرني ليضايق الفتيات، وقد كان. حتى أتى اليوم الذي خرجت فيه متأخرة بعض الشيء لأجده يأخذ فتاة من فتيات فصلي داخل المحل، بحجة أنه يريد أن يريها ماكينة صنع حلوى اشتراها حديثاً، لم يكن أحد غيره بالمحل، فتتبعتهما متوارية عن الأنظار إلى داخله، حتى بدأت الفتاة بالصراخ بحجرة داخل المحل فاندفعت للزود عنها، لأجده نائماً بجسده فوقها على الأرض يحاول الاعتداء عليها، صرخت وركلته بعيداً عنها، فهرولت الفتاة جارية إلى خارج المحل. قام غاضباً ليصفعني على وجهي بقوة فارتميت أرضاً، وأخذ يسبني ويقول أنه سيعتدي علي أنا بدلاً منها وأنني من أتيت إليه بقدمي. ارتمي فوقي محاولاً تمزيق ثيابي، وأنا أحاول أن أدفعه عني بكل قوتي، لكنه كان قوياً وثقيلاً، وصفعني مجدداً حتى سالت الدماء من وجهي، ركلته وحاولت النهوض لأهرب لكنه أمسك بي وجذبني أرضاً بعنف، فسقطت على وجهي، لتجد يدي مصادفة مقص أسلاك ملقى على الأرض بإهمال، فأمسكت به بقوة بينما كان يحاول أن يديرني ليكمل فعلته الدنيئة فدفعت المقص بكل قوتي في عنقه فصرخ وجحظت عينيه وسقط فوقي جثة هامدة، أزحته من فوقي بصعوبة، وخرجت من المحل للشارع مترنحة ليجدني المارة غارقة في دماءه واستطلعوا الأمر داخل المحل وسلموني لقسم الشرطة، وأنت تعرف الباقي."


صمتت مي لبرهة ثم أجهشت بالبكاء بحرارة لتسقط دموعها الغزيرة على أرض مكتب أشرف، حاول أشرف أن يواسيها قائلاً: "لا تقلقي، سيكون الحكم مخففاً، أنت كنت في حالة دفاع عن النفس." لكن يبدو أن كلماته تبددت في أنحاء الغرفة دون الوصول إلى مي. نظر إليها أشرف بشفقة، وقام من مقعده ليخرج من الغرفة تاركاً مي وحدها حتى تهدأ ليستطيع مواصلة التحقيق.  
 
استمرت مي بالبكاء وهي تفكر بنشأتها وأسرتها وكل أحداث حياتها، شعرت كأنما الكون نفسه يلعنها لمولدها بمثل هذه القرية التي تتاجر بالفتيات الصغيرات، ولمولدها بمثل هذه الدولة التي لا تكتفي بسحق الأنثى وحسب بل وتحاسبها إن قامت بالدفاع عن نفسها كأنما هذا ليس من حقها!
كيف تخرج من هذه الهوة؟ كيف تجد الخلاص لنفسها من هذه الحياة الكريهة؟ تمنت أن تمحى ذاكرتها، أو الأفضل من هذا أن تُمحى هي من بين الأحياء، لكن كيف وهي الآن...؟
فجأة انقطعت عن الاسترسال في أفكارها حينما حانت منها التفاتة تجاه مكتب أشرف وكيل النيابة، وشاهدت فتاحة الخطابات الحادة الملقاة على المكتب.
فكرت بقطع شريانها، لكن لا، سيتطلب هذا وقتاً طويلاً حتى تموت وربما يلحقونها ويسعفونها وتستمر في مواجهة هذا المصير السيء بالحياة في دولة العبث! ولم تجد لخلاصها سوى سبيلاً واحداً، وقفت بعزم وأمسكت أداة فتح الخطابات ووضعت طرفها الحاد فوق موضع قلبها بين ضلوعها وثبتتها بإحكام وأخذت نفساً عميقاً وأغمضت عينيها، ثم سقطت أرضاً عليها بكل ثقلها لتدخل الأداة بين ضلوعها وتستقر في قلب مي.
عاد أشرف إلى مكتبه ليجد مي جثة هامدة ودمائها تغرق المكان، فشعر بالذعر، وخرج سريعاً لينادي الحارس بالخارج ليدخل بسرعة ويأمر آخر بأن يتصل بالإسعاف سريعاً، ويعود للغرفة ومعه كل عين فضولية بالرواق خارج الغرفة،  ليشاهدوا جثة مي التي لفظت أنفاسها الأخيرة كضحية ومجني عليها من أهلها والمجتمع!  تمت.