أفاق عوضين ذات
صباح ليجد نفسه بالحقل بموقع سقوط المركبة الفضائية. لم يدر كيف
أتى إلى هنا حافي القدمين ولا كيف اتسخت يداه وثيابه.
أسرع عائداً إلى منزله ليجد زوجته تبحث عنه. لم يبالي بأسئلتها الكثيرة واتجه لغرفته مباشرة ليغلق الباب خلفه.
أسرع عائداً إلى منزله ليجد زوجته تبحث عنه. لم يبالي بأسئلتها الكثيرة واتجه لغرفته مباشرة ليغلق الباب خلفه.
أخذ يلتقط أنفاسه
بعمق ليهدأ، حاول أن يتذكر كيف غادر منزله ليجد نفسه بالحقل لكنه فشل. استلقى على
الفراش وقرر أن يستكمل نومه.
وفي نومه وجد نفسه
في سفينة فضائية هو قائدها، يعطي الأوامر بلغة لم يسمعها من قبل لكنها مفهومة
بالنسبة له، شعر أن كل شيء منطقي بالنسبة له. كانت السفينة تواجه هجوماً من الأعداء
واشتعلت محركاتها مما ألزم طاقمها بمغادرتها قبل انفجارها، كان آخر من غادرها
بمركبة تسع شخص واحد فقط، متجهاً إلى أقرب كوكب مأهول، الكوكب الثالث بمجموعتنا
الشمسية، كوكب الأرض.
استيقظ عوضين من
نومه عند هذه النقطة، غارقاً في عرق غزير، ليجد أنه الشمس قد غربت ورحل النهار،
نظر حوله قبل أن يتبين في دهشة أنه يستطيع الرؤية في الظلام الدامس، كل ما في
الغرفة يحيطه غلاف باهت من الإضاءة، لم يكن يعرف إن كانت الإضاءة تنبعث من الأشياء
المحيطة به أم أنه بالفعل يرى في الظلام كالقطط.
قرر الخروج
والتمشي ليلاً إلى الحقل ليتبين حقيقة موهبته الجديدة، تسلل إلى الخارج متعمداً
ألا تستيقظ زوجته التي تنام بالغرفة المجاورة مع الأولاد ليتجنب أسئلتها الفضولية.
زادت دهشته حينما علم أنه يستطيع الرؤية بالظلام فعلاً، أخافه هذا قليلاً
بالبداية، لكن لسبب غير معلوم لديه، بدأ في اعتياد الأمر سريعاً، انطلق سائراً إلى
تلك الحفرة التي بدأ عندها كل شيء. وحينما وصل إليها، وجدها مردومة، وقف أمامها
مفكراً، ماذا سيفعل الآن؟ فجأة قفز إلى ذهنه مشهد المذياع وصوته يعلو وينخفض بمجرد
التفكير. أخذ نفساً عميقاً، وأغمض عينيه، ركز قواه العقلية كلها تجاه موضع الحفرة،
في البداية تهيأ له أن لا شيء يحدث، لكن فجأة ابتدأت الأرض تهتز من تحت قدميه
وارتفع التراب الذي أهيل على الحفرة لردمها لتنكشف الحفرة كما كانت أول مرة. ابتسم
عوضين لنفسه في انتصار، بدأ الآن يستوعب سر التغيرات التي تحدث له منذ لقاءه بذلك
الكائن الخارج من هذه الحفرة، أدرك أنه يتحول ليصير الكائن نفسه، ومع الوقت يفقد
كينونته ليصير شخصاً آخر، شخصاً أفضل.
عاد عوضين إلى
المنزل، ليجد زوجته في انتظاره قلقة كعهده بها، سألته عن سر خروجه المتكرر، لم
يجب، تركها ودخل غرفته وأغلق الباب، سمعها من وراء الباب تعلق على فقدانه الكثير
من الوزن، وجحوظ عينيه، وأنه، لدهشتها، أصبح أطول مما كان. اتجه للمرآة بغرفته
ليرى فعلاً أنه يتحول ليصير أقرب إلى الكائن، أدرك أنها مسألة وقت فحسب.
نام تلك الليلة،
ليحلم مجدداً، هذه المرة لم يكن بسفينة الفضاء، بل وجد نفسه بما يشبه العدم، لا
شيء يحيط به من كل جانب، نظر حوله ليجد 6 كائنات أخرى تشبه الكائن الذي التقاه
بالحقل، مجتمعون في انتظاره. تأمل وجوههم وشعر أنه يعرفهم من قبل. بعد فترة صمت
وجيزة تكلم أولهم، وقال "مرحباً بك أيها الأرضي، اقترب تحولك على الاكتمال،
اختارك قائدنا زرندور، لتكون خليفته، سوف نأتي لاصطحابك قريباً، كن مستعداً"
أفاق عوضين، شعر
أن ثمة تغيرات فجائية قد طرأت عليه أثناء نومه، نهض سريعاً ليقف أمام المرآة، ليجد
الانعكاس المقابل له يماثل الكائن.
أشار إلى الباب
فانفتح وحده بدون أن يمسه، خرج في خفة من المنزل، متجهاً للحقل، متعمداً زرع فكرة واحدة
في عقل كل من قابله، أنه لم يره. اتجه إلى موقع سقوط المركبة ورفع كلتا يديه
ناظراً للحفرة، عادت المركبة للظهور مجدداً... فتح باب المركبة له، فدلف إلى
الداخل ونظر إلى أجهزة التحكم فأضاءت وحدها فجأة، نظر لجهاز الإرسال، ونطق بكلمات
لم يكن يفهمها منذ أسابيع قليلة، لتنتقل رسالته إلى كوكبه البعيد. كان فحوى
الرسالة "أنا مستعد".
ظل سكان تلك
القرية الصغيرة على ضفاف النيل يتهامسون لسنوات عن تلك القصة الغريبة، يوم رؤيتهم
مركبة غريبة الشكل تنطلق بسرعة لم يروها بحياتهم متجهة إلى السماء، بنفس يوم
اختفاء عوضين، الذي لم يرونه بعدها قط.
No comments:
Post a Comment