Thursday, August 29, 2013

هل سيكون البشر المولودون على المريخ أطول من المولودين على الأرض؟




إذا تمكنا من التغلب على مشكلتي الجنس والخصوبة في الفضاء، وكان بمقدور البشر انجاب اطفال على المريخ , فالأطفال المولودون سيكونون صغار. ولكن الأطفال الصغار قد لا يظلوا صغارا لفترة طويلة.

إننا على كوكب الأرض نختبر العامل الثابت للجاذبية بقوة g 1 طوال حياتنا بشكل مستمر، ولكن على الكواكب الأخرى في النظام الشمسي، فإن ذلك ليس ممكنا على الإطلاق.
تجرى ابحاث لإيجاد طرق تجعل الجاذبية الاصطناعية ممكنة اكثر من اجل أن تسهيل الرحلات على البشر إلى خارج كوكب الأرض .

وطبقا لوكالة الفضاء الأمريكية
NASA ، فإن معظم رواد الفضاء ينمون بمعدل 2 بوصة تقريبا في الفترة التي يكونون فيها في الفضاء لأن تقلص الجاذبية يسبب تمدد السائل بين الفقرات الظهرية. إنهم يفقدون هذا الطول في غضون 10 أيام من عودتهم إلى الأرض تحت تأثير جاذبية الأرض الساحقة. وبسبب هذا النمو في الطول، فإن NASA تستخدم بذلات فضائية بها واسعة أكثر لكي تتلاءم مع هذا الطول الإضافي.

(يزداد طولك أيضاً حين تخلد للنوم: حين تنام بالفراش، تدفعك الجاذبية للأسفل، وتُمدد عمودك الفقري بشكل كافي حتى أنك حينما تصحو تكون أطول بنصف بوصة من الليلة السابقة.)

روبرت زوبرين و هو من مؤيدي استيطان المريخ، وضع نظرية بأن الأطفال المولودون على الكواكب الأخرى ذات الجاذبية الأضعف مثل المريخ والذي يمتلك ثلث جاذبية الأرض، سيكونون أطول ببضع بوصات عن رفقائهم المولودون على كوكب الأرض. في حين ان الجينات الموروثة عن آبائهم لن يطرأ عليها أي تغيير، فالعمود الفقري قد يتمدد أكثر مما لو كان على كوكب الأرض. لحسن الحظ، فإن الاطفال المولودون على المريخ في بيئة ذات جاذبية منخفضة لن يعانوا من مشاكل العضلات والعظام التي يجابهها رواد الفضاء بالرحلات الطويلة.

لسوء الحظ، أكبر مشكلة ممكن أن تحدث لكثيري الأسفار بالمجرة قد تظهر حين يحاول بشري مولود بكوكب ذو جاذبية منخفضة العودة لكوكب الأرض. سيختبر جاذبية تفوق ثلاثة أضعاف جاذبية كوكبه، وقد يعاني من مشاكل خطيرة بالعظام. على سبيل المثال، أعطى أحد علماء ناسا - آل غلوبوس - مثالاً عن شخص يزن 160 رطلاً. إن ذهب لكوكب جاذبيته 3 أضعاف جاذبية كوكب الأرض (بقوة 3
g) وهو ما يعادل الانتقال من المريخ للأرض، فسيكون وزنه 500 رطلاً وسيكون من الصعب عليه النهوض من الفراش. بالنسبة للأطفال الذين نشأوا على القمر أو المريخ، ستكون دراستهم بجامعة على كوكب الأرض غير ممكنة.

ترجمة: Übermensch
مراجعة اولى: Redouan Che & Khalid Zahra
مراجعة ثانية و تصميم: E.K.

Wednesday, August 21, 2013

عالم الأحلام - قصة قصيرة

"إلى من يهمه الأمر،
اسمي مجدي حسين، طالب بالفرقة الرابعة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، كنت طالباً مجداً، ومن أوائل دفعتي كل عام، حتى دخل حياتي ما قلب كياني وجعلني أترك كل شيء وألهث خلفه، بدأت هذه الأحداث منذ حوالي شهر، انتهيت من محاضراتي بالكلية بوقت متأخر وجلست مع أصدقائي بالمقهى لمدة قصيرة ثم عدت إلى المنزل منهكاً ساعياً إلى فراشي لأنام، وفي أثناء نومي شاهدت حلماً، لا، ليس حلماً، بل هو حياة بأكملها تكمن خلف جدران الوعي، لا يمكن الوصول إليها إلا أثناء النوم، شاهدت روضة غناء، واسعة ليس بها أحد، سوى فتاة، ويا لها من فتاة! سرقت عقلي وخلبت لبي منذ وقعت عليها عيناي لأول مرة. شعرها المنسدل على كتفيها كشلال من أشعة الشمس الصافية، ولون عينيها في منافسة محتدمة مع لون النباتات الأخضر بالحديقة المحيطة بنا من كل جانب. أشارت إلي بالاقتراب، فاقتربت ببطء وأنفاسي تتسارع مع كل خطوة، وحينما دنوت منها، ابتسمت، فابتسمت أنا أيضاً كالأبله، مشدوهاً بجمالها الفائق، سألتني "ما اسمك؟" أجبتها بسرعة "مجدي، وأنت؟" صمتت للحظة ثم اتسعت ابتسامتها وأجابت "عبير"، شعرت براحة كبيرة معها، ابتسامتها جذابة جداً، سألتها "كيف أتيت إلى هنا؟" أجابت عبير "بنفس الطريقة التي أتيت أنت بها إلى هنا". سألتها "أين نحن؟" أجابت "في عالم الأحلام" قلت مندهشاً "لكنني لم أشهد حلماً كهذا من قبل!" ضحكت برفق وقالت "أنا هنا طيلة الوقت، تركت عالم الواقع وأعيش هنا دوماً" ازداد اندهاشي وتعجبي وألحت أسئلة كثيرة على عقلي لكنها استبقتني قائلة "أعلم أن ثمة أسئلة كثيرة تريد طرحها، لكن ليس وقتها الآن". سألتها "لماذا؟" أجابت مبتسمة "لأنك ستستيقظ الآن" حينها أحسست بيد تهزني وصوت أمي يمزق عالم الأحلام قائلة "استيقظ يا مجدي، ستفوتك المحاضرة". استيقظت وذهبت إلى الكلية وجلست بالمحاضرة لا أقوى على متابعتها، ولا يشغل فكري سوى ما رأيته بحلم أمس، كلمات عبير وجمالها الأخاذ. أنهيت محاضراتي وذهبت للمنزل مباشرة بدون أن أجلس مع أصدقائي، وسر تعجلي هو رغبتي في النوم مبكراً، لعلي أظفر برؤياها مجدداً،  وصلت للمنزل واتجهت لغرفتي، ولاحظ والداي تعجلي للنوم على خلاف ما يعلموه عني كمحب للسهر، لكنهم لم يهتموا بالسؤال، وهذا جيد، فلم أكن أعلم بماذا أجيبهما. انتظرت النوم أن يأتي لكنه عاندني وظللت مستيقظاً حتى منتصف الليل، حينئذ أتى النوم كضيف مرحب به، فاستسلمت له، وأغمضت عيني لتبدأ رحلتي، ومرة أخرى أجد نفسي بنفس المكان، وأجدها هناك تلهو بين الأغصان والزروع، ناديت عليها، فنظرت لي وابتسمت وسارت ناحيتي، فاتجهت ناحيتها لنتقابل بمنتصف الطريق، قلت لها بجدية "أفكر بك كثيراً منذ أمس" ابتسمت وتخضبت وجنتيها بحمرة الخجل وأطرقت برأسها ناحية الأرض وقالت هامسة "حقاً؟"، تلعثمت، فلم يكن هذا ما أقصده، لذا استجمعت شجاعتي وقلت "أجل، لم أر جمال مثل جمالك بحياتي قط".  نظرت إلى عيني ثم قالت "وأنا أيضاً كنت أفكر بك"، شعرت بفرحة عارمة، لكن اكتفيت بابتسامة ودودة. سألتها "هل تأتين إلى هنا أثناء نومك أيضاً؟" صمتت لوقت طويل، ثم قالت "بالبداية، ثم قررت أن أظل هنا إلى الأبد" سألتها، "كيف؟" أجابت "سأخبرك غداً" تعجبت من غموضها الدائم، ولماذا لا تخبرني مباشرة، لكني أمام جمالها لم أستطع شيئاً إلا الإذعان لطلبها. سرنا سوياً، وسط الزروع، أمسكت بيدها فلم تمانع، حتى أتى موعد استيقاظي. وكالمعتاد، أيقظتني أمي كي لا أتأخر على محاضراتي، فبدلت ثيابي وذهبت للكلية، وأثناء شرح الدكتور للمحاضرة، لم أنتبه لكلمة قالها، فكل ما كان يشغلني هو سؤال واحد "هل سأراها مجدداً؟" انتهت محاضراتي، ونويت أن أذهب للمنزل مسرعاً، لكن استوقفني أصدقائي متذمرين من عدم وجودي أمس، ارتبكت، فلم يكن بمقدوري اخبارهم عن السبب، ألحوا علي فذهبت معهم مضطراً، وكنت صامتاً طوال الوقت حتى ظننت أنهم استثقلوا وجودي، كنت أعد الدقائق للذهاب إلى المنزل، وفعلاً، بعد وقت قصير، انطلقت إلى المنزل، ابدلت ثيابي وقلت لوالدي أنني أريد النوم مبكراً، وذهبت لغرفتي مسرعاً، وسارعت في النوم، هذه المرة أتى النوم سريعاً، ومثل كل مرة رأيتها تسير وسط الزروع، ناديت عليها وجريت ناحيتها، وأمسكت يدها وقلت لها "اشتقت لك كثيراً" صمتت مطرقة رأسها للأرض ولم ترد للحظات، ثم قالت أخيراً "هل أنت متيقن أنك تريد معرفة كيف أكون هنا طوال الوقت؟" باغتني سؤالها فأجبت في تأن "أجل، إن كنت لا تمانعين الإجابة". قالت "كنت أحضر إلى هنا في أحلامي مثلك تماماً، وأعجبني المكان جداً، حتى أنني اشتهيت أن أسكن فيه للأبد، وكان ثمة طريقة واحدة لهذا، اشتريت مجموعة من أقوى الأقراص المنومة، وتناولتها في جرعة واحدة..." صمتت فجأة وهي ناظرة إلي كأنما تريد التأكد من أنني أريد معرفة ما حدث حقاً، فسألتها "وماذا حدث؟" أجابتني "مت أثناء نومي، فتحقق لي ما أردت، وبقيت هنا إلى الأبد". ذهلت مما تقول، وقلت في تلعثم واضح "إذن... أنت ميتة؟" هزت رأسها بالإيجاب. تراجعت قليلاً وقد أخذتني المفاجئة وسألتها "لكن كيف؟" أجابت "لا أعلم كيفية حدوث هذه الأمور، كل ما أعلمه أنني هنا، وكنت وحيدة حتى أتيت أنت". لم أعلم بماذا أجيب... شعرت أنني أحبها حقاً، لكن كيف أكون معها؟ لم يعد لها وجود بعالم الواقع، ولا أراها سوى بعالم الأحلام، فكيف نكون سوياً؟ شعرت بالأسئلة تزدحم في رأسي، فابتسمت لتهون علي، وأمسكت بيدي لنسير سوياً بالحديقة، رباه! كم أحبها! ظللنا نسير ونبتسم لبعضنا البعض، حتى أتى موعد استيقاظي اللعين! استيقظت شارد الذهن، إنه يوم عطلتي وليس لدي ما أفعله، سوى أن أفكر بالأمر ملياً، عبير، حبي الأول، وأجمل فتاة رأيتها، هي في الواقع قد ماتت منذ فترة. فكيف السبيل إليها؟ هل أنساها وأستمر بحياتي؟ وعند هذا السؤال كأنما اعتصرت قلبي يد باردة، كيف أنساها؟ إنني حقاً أحبها! قررت أن أستمر في لقائها بعالم الأحلام، لعل الأمور تتغير. استمررت في يومي كالمعتاد كل عطلة، وحينما أتى موعد نومي، نمت، ثم استيقظت بالصباح، شعرت بالحيرة والغضب، كيف أنام ولا ألقاها؟ لماذا لم أحلم بها؟ هل كان حلم متكرر وانتهى؟ وعند هذه الفكرة سرت في جسدي قشعريرة. لا أريد أن أفقدها، رباه! أريد رؤيتها مجدداً! لم أذهب لمحاضراتي بذلك اليوم، وأغلقت هاتفي الخلوي حتى لا يتصل بي أحد، قلت لوالدي أنني أشعر بوعكة صحية، لذلك لن أخرج اليوم، وفي المساء حاولت مجدداً، نمت، ثم استيقظت، رباه! لماذا يحدث هذا؟ أريد رؤيتها مجدداً، كم أشتاق إليها! ظللت لثلاثة أيام أحاول وأحاول، أهملت محاضراتي، لا أخرج ولا أرى أحداً، وفي اليوم الرابع رأيتها، وكأنما كانت تنتظرني، احتضنتها بين ذراعي كأنما لا أريد افلاتها أبداً، وأحسست أنها تفعل نفس الشيء، وفي اندفاعي، قلت لها "أحبك يا عبير، ارتعبت من فكرة فقدانك" قالت مسرعة "وأنا أيضاً أحبك يا مجدي، انتظرتك طويلاً وخفت ألا تأتي" نظرت ملياً لوجهها الجميل، ثم قبلت شفتيها فبادلتني القبلة، انفصلنا سريعاً، ونظرنا للأرض في خجل واضح. قلت لها "عبير، أريد أن أكون معك للأبد" قالت لي "أعلم بماذا تفكر، وأريد أن تكون معي أيضاً، لكن لا تفعلها أرجوك، بالتأكيد هناك من يهتمون بك وسيحزنون لفقدانك بالواقع" قلت لها "لم أعد أبالي بشيء، إلا بوجودي معك، هل تسمحين لي بأن أشاركك هذه الحديقة للأبد؟" ابتسمت في حزن وقالت "أنت تعلم أنني أود هذا، لكن أخاف أن تندم على قرارك" أجبتها مسرعاً وحاسماً "لن أندم أبداً"، بعدما استيقظت، أعددت العدة، وجهزت نفسي للأمر، ذهبت لصديق صيدلي وتحججت بأنني لا أستطيع النوم جيداً، ولدي امتحانات مهمة قادمة، وطلبت أقراص منومة، وأعطيته اسمها، تعجب صديقي لأن هذه الأقراص من أقوى الأنواع، لكنه لم يعترض، وحصلت على الأقراص، قضيت أسبوعين أودع كل معارفي وأصدقائي نهاراً، وأجلس مع والداي معظم وقتي بالمنزل، وأتقابل مع عبير حبيبتي أثناء نومي. حتى أتى اليوم المنشود الذي خططت لأجله، سأتناول الأقراص الآن، وأذهب إلى حبيبتي عبير لنعيش سوياً بتلك الحديقة الرائعة بلا عودة لعالم الواقع. أريدكم أن تعلموا أنني في غاية السعادة الآن، وداعاً"
انتهى وكيل النيابة من قراءة رسالة مجدي الأخيرة على الحاضرين، وأمر بنقل جثة مجدي إلى المشرحة لتبين أسباب الوفاة، ونظر بشفقة كبيرة إلى والدي مجدي اللذان أخذا يبكيان ابنهما الوحيد الذي انتقل من عالم الواقع... إلى عالم الأحلام. تمت.

Sunday, August 18, 2013

المرآة - قصة قصيرة

استيقظ سعيد من نومه فجأة مضطرباً، تطلب عقله بضع ثوان ليعي ما يدور حوله في الظلام الدامس، فهو يسكن وحده بعد وفاة والديه منذ سنوات مضت، لكنه متأكد أنه سمع أحدهم يهمس باسمه. نهض من فراشه ليضيء أنوار الغرفة، بحث تحت فراشه، في بقية أركان الشقة وغرفها، لم يجد أحداً، هل كان يحلم؟ هل كان يتخيل أشياء أثناء نومه؟ قرر أن يلقي الأمر برمته خلف ظهره ويعود للنوم. لكنه توقف عند المرآة في غرفته المضاءة، هذا الانعكاس يشبهه، يرتدي نفس منامته، لكن هذه النظرة الواثقة ليست نظرته، وهذه الابتسامة الساخرة التي تعلو هذا الانعكاس ليست ابتسامته. فرك عينيه بقوة، ظناً منه أنه ربما يكون نائماً ويحلم، لكنه تأكد أنه ليس كذلك. اعتراه الخوف وتراجع مبتعداً، لكن انعكاسه الذي ظل واقفاً مكانه، قال له "هل صحوت أخيراً؟ كدت أفقد الأمل." كان سعيد يرتجف كورقة في مهب الريح، وازدرد لعابه في صعوبة واضحة بمحاولة منه للسيطرة على أعصابه، وامتلكته فكرة واحدة "هل أصابه الجنون؟" وأجاب الانعكاس كأنه يقرأ أفكاره "لا، لم تجن، ليس بعد على أية حال" ثم أطلق ضحكة ساخرة. سأل سعيد وهو على وشك الانهيار "من أنت؟ وماذا تريد مني؟" أجابه الانعكاس "لا عليك بمن أنا، فليس لي وجود حقيقي بعالمك، وكل ما أريده لك هو الخير". صرخ سعيد "أنت لا وجود لك إلا برأسي، لابد أنني جننت!" انقلبت سحنة الانعكاس إلى غضب عارم وأشاره بيده إلى سعيد قائلاً "اصمت"، فتجمد سعيد بمكانه كأنما أصابه الشلل ولم يستطع حتى أن يفتح فمه ليصرخ، أكمل الانعكاس قائلاً "أنت من ناديتني إلى حياتك، بكآبتك المستمرة وطلبك الدائم للموت، تظن أنك خسرت كل شيء بوفاة والديك وترك محبوبتك لك، لكن هذا غير حقيقي، أنا هنا لأغير حياتك كلها للأفضل" وأشار بيده، فشعر سعيد أنه يستطيع الحركة الآن، وقال بصوت خافت مبحوح "كيف؟" ابتسم الانعكاس بهدوء وقال "اسألني مجدداً وسأجيبك بالصباح، اذهب للنوم الآن يا سعيد." واختفى الانعكاس، ليحل محله صورة سعيد بالمرآة تعلو وجهه ملامح الخوف والرعب. لكنه أطاع باستسلام وذهب لفراشه بدون أن يجرؤ على إغلاق أضواء الغرفة. ظل مستيقظاً بفراشه محدقاً بالسقف حتى غلبه النوم قرب الصباح، استيقظ من نومه على صوت المنبه معلناً الساعة السابعة صباحاً كعادته كل يوم عمل، جلس على فراشه بصعوبة، متذكراً بعضاً مما رأى أثناء الليل. نهض من فراشه متجهاً للخروج من الغرفة لكن استوقفته المرآة، تلك المرآة الغريبة التي أوصى بها عمه إليه قبل وفاته، إنها مرآة عادية جداً، لا يميزها شيئاً إلا ضخامتها وإطارها الذهبي اللامع وتعلوها حروف لاتينية لا يفقه معناها، لطالما سمع قصص عن عمه الذي كان يهوى جمع الكتب القديمة وقيل أنه يمارس السحر سراً، لكن تبخرت تلك القصص بعد وفاته إذ لم يجد أحد شيئاً بمنزله تشير إلى ممارسته السحر. رغم محاولته البائسة لإقناع نفسه أن ما رآه مجرد كابوس، غلبه فضوله ليسأل بصوت صدر خافتاً ومهتزاً "كيف؟"، وأمام عينيه رأى انعكاسه يبتسم ويجيب سؤاله "هل تريد عودة محبوبتك إليك؟" لمعت عين سعيد وقال في لهفة "أجل!". قال الانعكاس بصوت واثق "اذهب الآن إلى المقهى الذي اعتدتما الجلوس فيه معاً، وستجدها هناك بانتظارك" خفق قلب سعيد، وارتدى ملابسه على عجل وانطلق إلى المقهى ليجد محبوبته هناك، وقفت لتسلم عليه بلهفة واشتياق بالغ بشكل أدهشه وقالت "رأيتك في حلم أمس، واستيقظت اليوم أشعر باشتياق إليك وجئت إلى المقهى لعلي أراك بها". شعر سعيد كأنما أصابه بعض الحظ من اسمه، لقد صار سعيداً حقاً، انتهى لقاءهما وودعها ليعود إلى منزله ويقف أمام المرآة ليظهر الانعكاس المبتسم ويسأله بهدوء "كيف كان يومك يا سعيد؟" أجاب سعيد "كان رائعاً، شكراً لك!" تغيرت ملامح الانعكاس وتحدث بصوت عميق آمر "أريدك أن تترك هذه الفتاة." ذهل سعيد وصرخ "لكني أحبها!" أجاب الانعكاس "لكنها لا تحبك، تذكر هذا جيداً، تركتك مرة وستتركك مجدداً، فهي لا تريد سوى أن تجد من يحبها ويلهث وراءها، هذا ما تريده وتسعى إليه لتشعر بقيمتها أمام نفسها، لكن الحقيقة أنها لن ترتبط بك أبداً". نكس سعيد رأسه، عالماً في قرارة نفسه أن ما يسمعه هو الحقيقة المجردة التي كان يرفض سماعها طيلة الفترة الماضية. وسأل "وما العمل الآن؟" أجاب الانعكاس واثقاً من انتصاره "سأعطيك كل ما تريد وأكثر، لكن بشرط أن تطيعني في كل شيء" أجاب سعيد مستسلماً "موافق".
مضت 10 سنوات، أطاع فيها سعيد انعكاسه بالمرآة فازداد فيها ثراءه وأصبح يمتلك عدة شركات وعقارات بدول كثيرة. وأصبح يسكن بفيللا فاخرة وفسيحة جداً بحي من أرقى أحياء القاهرة، تحتوي بين جدرانها مجموعة كبيرة من العاملين ليعتنوا بها، ويتهامسون عن ذلك الشاب ذو الأربعين عاماً فاحش الثراء الذي لم يتزوج بعد ولم يروا معه امرأة قط، وعن سماعهم أصوات تصدر من غرفته وحيداً أثناء الليل كأنما يتحدث لنفسه. يعلم سعيد هذه الهمسات جيداً، لكنه لم يلق لها بالاً، فهناك أمراً أهم كان يشغله، وفي تلك الليلة وقف أمام المرآة طالباً التحدث مع انعكاسه، الذي لم يتغير كل تلك السنوات، بنفس هذه المنامة التي رآها لأول مرة بغرفته بشقة والديه المتواضعة ونفس ابتسامته الهادئة الواثقة. تردد سعيد لوقت قصير قبل أن يسأل الانعكاس "ألم يحن الوقت كي أتزوج؟ إنني أشعر بوحدة شديدة، وأشعر أن كل ما امتلكته حتى الآن لا قيمة له بدون من أحبها وتحبني." أجاب الانعكاس "لم يعد هذا يصلح الآن يا سعيد، أية امرأة ستعجب بك لن تكون معجبة بشخصك، بل ستكون ساعية خلف أموالك، وربما ستخونك حينها ستعود وحيداً مجدداً، لكن بقلب محطم كئيب." صمت سعيد لبرهة ثم قال "لابد من وجود من لا تهتم بأموالي!" أجاب الانعكاس "كلهن واحد يا سعيد". ترك سعيد المرآة وأخذ يفكر بهذا الموضوع، لماذا لا يريده الانعكاس أن يرتبط؟ لماذا مات عمه وحيداً؟ هل للانعكاس دخلاً بهذا الأمر؟ قرر أن يترك الأمر برمته ويسافر لمدينة ساحلية للاستجمام، لعله يهرب من تلك الأسئلة.
في الأسبوع التالي كان يسير على شاطئ البحر حينما رأى فتاة جميلة تتجاهله وتسير تجاه المياه بكامل ملابسها، نظر إليها مندهشاً وقرر أن يراقبها ليعلم ما الذي تنويه، رآها تذهب إلى الناحية العميقة من الماء... وهنا اختفت لتغوص بالمياه، هرع سعيد وراءها سابحاً بكل قوته لعله ينقذها، جاهد مصارعاً الأمواج حتى وصل إليها وأمسك بيدها ليطفو بها سطح الماء ويسبح بها عائداً للشاطئ وهي تصرخ قائلة "اتركني، أريد أن أموت!" لكن كلماتها جعلته يتشبث بها أكثر وأكثر، حتى وصل إلى الشاطئ وحملها كطفلة صغيرة وأجلسها على الرمال، فأخذت تبكي بحرارة وتهذى بكلمات غير مترابطة فهم منها سعيد أن من تحبه تركها وتزوج بأخرى، فعادت إليه المرارة القديمة بترك محبوبته له، شعر بالشفقة والعطف تجاهها، وأخذ يربت على كتفها بحنو بالغ. نظرت إليه بعنين دامعتين يشبه لونهما لون سماء صافية وقالت "شكراً أنك أنقذت حياتي، إنه لا يستحق أن أموت لأجله" قال لها سعيد "لا عليك، أنا مسرور أنك بخير". عرض أن يوصلها للمنزل فوافقت لأنها كانت لا تقوى نفسياً وجسدياً على العودة وحدها، وسار معها حتى أوصلها، طلب رقم هاتفها ليطمئن عليها، فأملته عليه، وحفظه سعيد على الفور. عاد لغرفته بالفندق وقلبه يخفق بنغمة جديدة، هل هذا هو الحب؟
في اليوم التالي اتصل بها على الهاتف، سألت من المتصل؟ فذكرها بنفسه، وأخبرها باسمه، وطلب لقياها فوافقت على الفور، التقاها وتحدثا كثيراً، وتعددت لقاءاتهما وعلم الكثير عنها، علم أنها الابنة الوحيدة لأب من أغنى العاملين بقطاع البترول بالشرق الأوسط، وأن والدتها الروسية سيدة المجتمع هي من تقيم معها بتلك المدينة الساحلية، لكنها لا تهتم بها على الإطلاق، علم أنها وحيدة مثله تماماً. ومع كل لقاء، تزداد قوة خفقات قلبه، لتعلن عن تعلقه الشديد بها. أخبرها في يوم أنه يحبها ويريد الارتباط بها، ابتسمت في رقة وخجل وأجابت بالموافقة، واعتبر سعيد هذا اليوم من أسعد أيام حياته حقاً. أخبرها أن لديه ارتباطات بالقاهرة ينبغي أن ينهيها قبل أن يعود إليها ليحددا موعد الزفاف لم ترد أن تتركه، لكنه أصر على أن يعود وحده ووعد بأن يتصل بها كثيراً. وافقت مرغمة تحت تأثير اصراره. عاد إلى القاهرة ولا يعلم ماذا سيكون رد فعل الانعكاس، فهو قد وجد أخيراً من تريد الارتباط به لشخصه، وتحبه هو لا ماله، فلديها ما يقترب من ثروته وربما يزيد عنها. عاد لفيلته ودخل غرفته وأغلق الباب، ظهر الانعكاس بسرعة لكن بملامح غاضبة وعينين محمرتين وصاح بغضب عارم "لماذا خالفت أوامري؟ اترك هذه الفتاة حالاً." أجاب سعيد بهدوء يحمل إصراراً لم يعتده حين مواجهة الانعكاس "لا، لن أتركها!" تأمله الانعكاس لبرهة ثم عاد لابتسامته وقال "يا سعيد، ألم أخبرك أن كلهن خائنات؟ ستخونك وتتركك كما تركتك محبوبتك القديمة" أجاب سعيد "لا، ليس كلهن، إنها مختلفة! أنا واثق من هذا، وسأسعى للزواج بها سواء بموافقتك أو بغيرها، أنت تريد أن تمتلكني، كما امتلكت عمي من قبلي، تريدني أن أعيش وحدي لك فقط لتتحكم بي كما تشاء!" استعاد الانعكاس ملامحه الغاضبة وقال "إذن، فهي ستموت اليوم في حادث أليم وبطريقة بشعة!" ارتجف سعيد للفكرة فهو يعلم بخبرته مع الانعكاس أنه يستطيع هذا حقاً، لكن لا، لن يسمح له أن يؤذي من وجدها أخيراً لتملأ عقله وقلبه وكل كيانه، وصرخ بكل قوته "بل أنت من سيموت الآن!" وانطلق حتى الحائط ليحمل مقعداً ثقيلاً، علم الانعكاس ما سيفعله سعيد وظهر الرعب على ملامحه وقال مترجياً "تعقل يا سعيد، إن فعلت هذا فستعود كما كنت، ستعود..." لكن سعيد لم يمهله ليكمل كلماته وهوي بالمقعد الثقيل على المرآة محطماً إياها في عنف إلى قطع صغيرة تناثرت أشلاءها في أنحاء الغرفة. وفجأة وجد سعيد نفسه بغرفة نومه بشقة والديه القديمة، يرتدي منامته والأنوار مضاءة وكل قطع الأثاث بمكانها حتى المرآة سليمة تماماً، كل شيء كان على طبيعته بلا أدنى تغيير كما بتلك الليلة التي استيقظ فيها عقب سماع من يهمس باسمه، باستثناء شيئاً واحداً، أن انعكاسه بالمرآة أكبر بعشر سنوات مما كان عليه في تلك الليلة. تمت.