Friday, August 9, 2013

رحلة عوضين - قصة قصيرة - الحلقة الأولى

كان الوقت بعد الفجر بقليل، بأحد الأيام الصيفية الهادئة بحقبة الستينيات بتلك القرية الصغيرة على ضفاف النيل، والشمس ببداية رحلتها اليومية من الشرق، لتبدأ ارتفاعها مرسلة أشعتها صفراء اللون على تلك المساحة الشاسعة من الأرض الخضراء. خرج عوضين عبد الهادي آخذاً فطوره معه ذاهباً إلى أرضه باكراً لفلاحتها وممنياً نفسه بيوم عمل شاق، سائراً على قدميه  إذ لا تبعد عن داره إلا كيلومترين فحسب. وأخذ يدندن بلحن لأغنية سمعها بالمذياع ليسلي نفسه أثناء سيره لأرضه. لكنه توقف فجأة حينما سمع فرقعة مباغتة تأتي من السماء وجسم مشتعل يهبط بسرعة تجاه ما تخيل أنها أرضه... أسرع الخطى حتى كاد يعدو ليرى ما هذا الشيء في فضول غريب اعتراه.  وصل إلى أرضه فوجد حفرة كبيرة في وسطها، توقف بعيداً في توجس مترقب، ثم تغلب عليه الفضول فأخذ يقترب في خطى بطيئة متثاقلة متمتماً بآيات من القرآن الكريم ملتمساً العناية الإلهية.  وحينما وصل للحفرة وجد جسماً كبيراً لامعاً، ساخناً من أثر هبوطه السريع... وفجأة فتح باب هذا الجسم - الذي تبين أنه مركبة فضائية صغيرة -  كاشفاً عن قائدها، فهلع عوضين مما رأى، إذ أن قائد المركبة لم يكن بشرياً أبداً، كان طويلاً ونحيلاً جداً، مع رأس ضخمة وعينين جاحظتين، يشخص بهما تجاه عوضين في هدوء رزين، رغم الجرح القطعي البالغ في صدره الذي يسيل منه سائل يبدو كدماء داكنة جداً. سمع عوضين صوتاً يقول له "لا تخف، يا عوضين" فزاد هلعه إذ أن الصوت لم يسمعه بأذنيه بل سمعه من داخل عقله... نظر إليه ذلك الكائن الغريب رافعاً أصبعه فتلاشى هلع عوضين رغماً عنه، أشار إليه الكائن بالاقتراب، فوجد قدميه تحمله تجاهه رغماً عنه كأن لهما إرادة مستقلة خاصة بهما. وحينما كان على مسافة كافية، مد الكائن ذراعه لامساً جبهة عوضين بسبابته. حينئذ شعر عوضين كأنما ألف صاعقة برق تضرب دماغه في آن واحد، وصرخ كما لم يصرخ بحياته من قبل، ثم سقط كأنه جثة هامدة في منتصف حقله... يتبع.

No comments:

Post a Comment