Friday, August 9, 2013

لماذا لست شيوعياً؟ للفيلسوف البريطاني العظيم برتراند راسل






"ما لا أستطيع فهمه أبداً كيف أن بعض الناس الإنسانيين والأذكياء يستطيعون إيجاد شيئاً ليعجبوا به بمعسكر العبودية الضخم الذي أنتجه ستالين."
لابد من طرح سؤالين فيما يخص أي مذهب سياسي: (1) هل هذا المذهب نظرياً صحيح؟ (2) هل من المرجح حال تطبيقه زيادة سعادة البشر؟ بالنسبة إلي، أعتقد أن المعتقد النظري للشيوعية فاسد، وأعتقد أن مبادئه العملية ستزيد تعاسة البشر بما لا يقاس.  
أتت معظم المعتقدات النظرية للشيوعية من ماركس. اعتراضي على ماركس من جهتين: أولهما، كان أخرقاً مشوش الفكر، والآخر، أن أساس تفكيره كله تقريباً سببه الكراهية. عقيدة فائض القيمة، والتي من المفترض أن توضح استغلال العمالة تحت النظام الرأسمالي، تنتهي إلى: (أ) بقبول عقيدة مالتوس سراً الخاصة بتعداد السكان، والتي تبرأ منها ماركس وكل تلامذته.
 (ب) بتطبيق نظرية ريكاردو عن القيمة على الأجور، لكن ليس على أسعار السلع المصنعة. وهو راضي تماماً عن النتيجة، ليس لأنها متطابقة مع الحقائق أو أنها متماسكة منطقياً، لكن لأنها مقصودة لإثارة غضب العمال.
عقيدة ماركس أن كل الأحداث التاريخية حركتها صراعات طبقية هي عقيدة طائشة ومط غير حقيقي لتاريخ العالم لبعض الأحداث البارزة في إنجلترا وفرنسا منذ 100 عام. اعتقاده بأن ثمة قوة كونية تدعى "المادية الديالكتيكية" (المادية الجدلية) والتي تحكم التاريخ البشري بشكل مستقل عن الإرادة البشرية، هي محض خرافة. مع ذلك أخطاءه النظرية لم تكن لتعني الكثير إلا في حقيقة أن - مثل ترتليان وكارليل - أكبر رغباته هو رؤية العقاب ينزل بأعدائه، ولم يهتم كثيراً بما قد يحدث لأصدقائه خلال ذلك.
كانت عقيدة ماركس سيئة بما يكفي، لكن تطوراتها التي مرت بها على يد لينين وستالين جعلتها أسوأ بكثير. علّم ماركس أن ثمة مرحلة ثورية انتقالية بعد انتصار طبقة العمال بحرب أهلية وأثناء هذه الفترة ستقوم طبقة العمال -بالتطابق مع المعتاد حدوثه بعد حرب أهلية - بحرم أعداءها المهزومين من حقوقهم السياسية.
كانت هذه الفترة لتكون فترة دكتاتورية طبقة العمال. لا يجب أن ننسى أن في الرؤيا النبوية لماركس أن انتصار طبقة العمال سيتحقق بعد أن تنمو لتصبح أغلبية السكان.  
لذلك، فدكتاتورية طبقة العمال كما تخيلها ماركس، لم تكن بشكل جوهري ضد الديمقراطية. لكن في روسيا عام 1917، كانت طبقة العمال تشكل نسبة صغيرة من عدد السكان، وأن الأغلبية الساحقة من السكان كانوا مزارعين.
وما حدث أن الحزب البلشفي كان جزء من طبقة العمال ويعي مصلحة الطبقة، وأن لجنة صغيرة من قادة الحزب أصبحت هي الواعية لمصلحة الحزب البلشفي. لذلك تحولت دكتاتورية طبقة العمال إلى دكتاتورية لجنة صغيرة، ثم في النهاية إلى دكتاتورية الرجل الواحد - ستالين.
كفرد من طبقة العمال وراعي مصلحتها الوحيد، حكم ستالين على ملايين المزارعين بالموت جوعاً، وأجبر ملايين آخرين على العمل بمعسكرات الاعتقال. بل أنه ذهب إلى إصدار مرسوم بأن قوانين الوراثة ستختلف من الآن فصاعداً عن ما كانت عليه، وأن الانقسام الخلوي يجب أن يطيع القوانين السوفيتية لا القوانين الرجعية للكاهن مندل.  ما لا أستطيع فهمه أبداً كيف أن بعض الناس الإنسانيين والأذكياء يستطيعون إيجاد شيئاً ليعجبوا به بمعسكر العبودية الضخم الذي أنتجه ستالين.
لطالما اختلفت مع ماركس. نقدي اللاذع الأول له نشر بعام 1896. لكن اعتراضاتي على الشيوعية الحديثة أعمق من اعتراضاتي على ماركس. ما أراه كارثي بحق هو تخليها عن الديمقراطية. أقلية تستند في سلطتها على نشاطات شرطة سرية ملزمة بأن تكون قاسية وظالمة وظلامية. مخاطر عصا السلطة غير المسؤولة ظاهر للعيان أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن من نسوا كل هذا تعلموا بطريقة مؤلمة أثناء الحكم المطلق للفرد، وتخلفوا إلى ما هو أسوأ من العصور الوسطى تحت وهم أنهم في طليعة التقدم.  
ثمة إشارات بأن خلال الوقت سيصير النظام الروسي الحاكم أكثر حرية. لكن، بالرغم من أن هذا ممكن، فهو أبعد من أن يكون مؤكد. وأثناء ذلك، كل من يقدرون لا الفن والعلم فحسب، لكن أيضاً يقدرون كفاية الخبز والحرية من الخوف بأن كلمة طائشة من أبنائهم لمعلم المدرسة قد تحكم عليهم للعمل الإجباري بأحراش سيبيريا، يجب أن يفعلوا كل ما بطاقتهم للحفاظ على طريقة حياة أقل عبودية وأكثر رخاء ببلدانهم.    
بعض ممن ظلموا بشرور الشيوعية، وصلوا للاستنتاج بأن الطريقة الوحيدة لمحاربة هذا الشرور يجب أن تكون عن طريق حرب عالمية. أعتقد أن هذا خطأ. كان يمكن لهذا أن يكون ممكناً بوقت سابق، لكن الآن أصبحت الحرب مريعة جداً، والشيوعية قوية جداً حتى أنه لا أحد يعلم ماذا قد يتبقى بعد حرب عالمية، ومهما كان ما سيتبقى، على الأغلب سيكون على الأقل بسوء الشيوعية الحالية.
هذا التوقع لا يعتمد على الأثار المحتومة للدمار الشامل باستخدام قنابل الهيدروجين والكوبالت وربما الحرب البيولوجية. طريقة الكفاح ضد الشيوعية ليست الحرب.
ما نحتاج إليه بالإضافة لتلك الأسلحة الحربية التي ستردع الشيوعيين من مهاجمة الغرب، هو تقليل أسباب الاستياء بالأجزاء أقل رخاءً بالعالم التي لا تنتمي للمعسكر الشيوعي.
بمعظم بلدان آسيا، ثمة فقر عظيم ويجب على الغرب أن يخفف منه طالما يستطيع ذلك. وثمة أيضاً مرارة كبيرة والتي تسببت فيها قرون من السيطرة الأوروبية المتغطرسة بآسيا.
يجب أن يتم التعامل مع هذا الأمر بمزيج من الصبر اللبق مع تصريحات درامية تعلن هجر السيطرة القديمة للجنس الأبيض على آسيا. الشيوعية عقيدة ولدت من رحم الفقر والكراهية والمعاناة. ويمكن وقف انتشارها بطريقة واحدة فحسب وهي تقليص مناطق الفقر والكراهية.  

No comments:

Post a Comment