هي بحق دوائر
لعينة نحياها هذه الأيام، سبق وأن تكلمت عن نظام مبارك الغاشم وطالبت بثورة ضده
ببدايات عام 2010، حيث كانت كل الإشارات تدل على أن هذا النظام أصبح كله فاسداً
بدون ذرة مصداقية واحدة أو أقل اهتمام ممكن بالشعب الكادح الذي يعاني ليل نهار لكي
يجد فقط قوت يومه! وقامت ثورة 25 يناير، التي أفخر بأني شاركت بها (ولو متأخراً
قليلاً لعدم تصديقي أول وهلة أنها ستكون بهذا الحجم، وظننتها مجرد اعتصامات صغيرة
مثل ما حدث بالمحلة الكبرى قبلها). على أي حال، قامت الثورة وأخذنا نهتف ضد مبارك،
وحافظنا على سلمية الثورة خاصة بعدما حدث يوم 28 يناير (الذي حضرته بنفسي بمدينة
المنصورة) من أحداث عنف من الشرطة ضد المتظاهرين السلميين، أذكر من أحداث ذلك
اليوم أنني كنت أنتظر بدء المظاهرة من أمام مسجد كبير بالمنصورة بعد صلاة الجمعة
مباشرة، وأذكر في مسيرتنا أن شخصاً أخذ يجمع حجارة من على الأرض فنهرناه وقلنا
إنها مظاهرة سلمية ولن نلجأ للعنف، مررنا بجانب مديرية أمن المنصورة وكان ثمة عدد
مهول من سيارات الشرطة المصفحة وعدد ضخم من عساكر الأمن المركزي يحمون مديرية
الأمن فتقدم بعض الكبار بالمظاهرة للتسليم على عقيد الشرطة المسؤول عن تأمين
المديرية واحتضنوه وقبلوه، ثم اكملنا مسيرتنا تجاه المحافظة حيث تجمعنا وفتحت
النيران علينا واستشهد واحد منا وأصيب الكثيرين، كان الضرب علينا غير مبرر تماماً،
لكن أسلوب تعامل حاملي السلاح التابعين للدولة هو أسلوب واحد لا يتغير "القوة
الغاشمة" في التعامل مع الخصم، حتى وإن كان أعزل من السلاح.
ثم تسلم الجيش
زمام الأمور، وقلنا ربما يقودنا في مرحلة انتقالية، ولا يبغى السلطة، بعد أيام
قليلة وقعت أحداث دير الأنبا بشوي، حينها صرخت بأعلى صوتي "يسقط يسقط حكم العسكر"
أعتقد أنني كنت من أول من قالها بفبراير 2011، حيث كانت نغمة "الجيش والشعب
إيد واحدة" تعزف على كل لسان. واتهمني الكثيرون بالخيانة والعمالة وأنني أفتت
البلد وأسعى للفتنة! لا بأس، فبعد أشهر قليلة وجدتهم يقولونها معي!
اضطرت السلطة
العسكرية المتمثلة بالمجلس العسكري بوضع قانون الأحزاب، والمادة رقم 3 من قانون
الأحزاب تمنع قيام الأحزاب على أساس ديني، لكننا وجدنا أحزاب مثل الحرية والعدالة
وحزب الأصالة وحزب البناء والتنمية، كلها أحزاب أجندتها دينية بامتياز! ومع ذلك
صارت رسمية ومتواجدة على الساحة، فيما يبدو أنها صفقة مع المجلس العسكري.
وتلى هذا قيام
الانتخابات الرئاسية، التي عانينا فيها جميعاً انسحاب الدكتور محمد البرادعي لأنه
بفكره الثاقب رأى أنها مهزلة، لا يمكن وجود انتخابات رئاسية بدون دستور، وعانينا
أيضاً خسارة أفضل المرشحين، حمدين صباحي وخالد علي، لنجد أنفسنا أمام مرشحين اثنين
كلاهما يهدد بالعنف، الفريق أحمد شفيق الذي قال في أثناء جلوسه مع رجال أعمال
برجوازيين (وقد نقلت رويترز كلماته) أنه سيستخدم القوة الغاشمة لإعادة الأمن
للشارع حال توليه الرئاسة (لم لا؟ فهو عسكري على أية حال، ولا يفكر إلا بتلك
الطريقة). وآخر، هو الدكتور محمد مرسي، الذي هدد بإحراق الشارع حال عدم توليه
الرئاسة، لأن الانتخابات وقتها - برأيه - ستكون مزورة، وللأسف الشديد عدد من القوى
الثورية كان سيساهم معه في إحراق الشارع نكاية في تولي أحمد شفيق الرئاسة، كما
انتخبوه أيضاً نكاية في أحمد شفيق بعدما كان عدد منتخبيه جميعهم 5 مليون، صاروا
فجأة 12 مليون.
منذ تولي محمد مرسي
توالى الفشل، فشل سياسي وفشل اجتماعي وفشل اقتصادي، لم يكن يسعى إلا في تثبيت
جماعته الفاشية المنحرفة في السلطة، ووضع جميع أعضاءها بالحكومة سواء كوزراء أو
مساعدين أو مستشارين، مشروع النهضة الذي وعد به هو وجماعته ليس له وجود أصلاً،
استخدموا أبواق نظامهم من مشايخ السلطة المأجورين في القنوات الدينية لتكفير
المعارضة والتهديد بقتلها بل وتعليق كل فشل مرسي وحكومته على كلمة هلامية مطاطة
وعدو خفي يدعى "الفلول". وساهم بإخراج طنطاوي وزير الدفاع السابق وسامي
عنان مساعده وقائد الجيش الميداني السابق خروجاً آمناً وهما المسؤولان بشكل رئيسي
أو حتى بشكل سياسي عن الأحداث الدامية التي وقعت بماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد
محمود وما حدث ببورسعيد من تواطئ أمني وقتل الكثير من الشباب مشجعي الكرة ببورسعيد
التابعين لألتراس الأهلي. والأكثر من الخروج الآمن هو تثبيت وضع الجيش بالدستور
الإخواني من ميزانية سرية لا يمكن مناقشتها! وكانت النتيجة هي حملة تمرد التي
أعلنت التمرد ضد مرسي وحكمه وحكومته وعلى الأخص "جماعته"، كنت معترض
أولاً على حملة تمرد لأني أعلم الطريق الذي سيقود إليه، ثورة يعود على أثرها
العسكر إلى الحكم بشكل المنقذ المنحاز إلى الشعب!
وكان في ظني أن
الضغط الشعبي على محمد مرسي بشكل يجعله يخضع هو الأمر الوحيد الممكن، لكن للأسف،
تدخل الجيش بالصورة، وتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية الجديد رئيساً
"صورياً" للبلاد. لكن الحاكم الحقيقي الذي يلقي البيانات وتهتف الجماهير
باسمه هو وزير الدفاع!
واليوم، إذ بدأ فض
اعتصام رابعة، نجد أنفسنا في مأزق! والسؤال المطروح هنا، هل كان يمكن تفادي استخدام
كل تلك القوة الغاشمة في فض الاعتصام؟ أجل، كان من الممكن جداً برمضان، منع دخول الطعام
والمياه إلى المعتصمين في رمضان يعني أن تخور قوتهم بعد أيام قليلة ويعلنوا عن
استسلامهم ورحيلهم لأن لا توجد مقاومة مع الجوع والعطش، واستسلامهم يعني انكسارهم
وتخليهم عن فكرة المقاومة والاعتصام! كان هذا سينقذ أرواحاً كثيرة وأنهار من
الدماء أهدر بعضها اليوم، وسيهدر الكثير مثلها بأيام كثيرة قادمة! عدم فعل هذا والسماح بدخول الطعام والشراب والدواء والسلاح والطوب والزلط والأسمنت وأدوات البناء بل وحمامات السباحة التي رأينا صورها جميعاً في "رابعة بارك" بأيام عيد الفطر، لا تسمى إلى تغذية متعمدة للإعتصام، والخطة واضحة وضوح الشمس، إن تم فض الاعتصام في بدايته فسيكون هذا أمراً سهلاً ويسيراً، وسيصعب على الجيش تبرير فرض سيطرته على كل البلاد، لكن تحويل الإخوان إلى وحش يهاجم كل شيء، هو المطلوب، حتى يرتمي الشعب في أحضان السلطة العسكرية كالمنقذ الوحيد لحياتهم والموفر لهم الأمن، وغباء الإخوان ساهم في سيرهم على هذه الخطة ببراعة متقنة، إذ بدأ الاخوان
بالفعل بحرق بعض الكنائس والمحال والمدارس المملوكة للأقباط والمسلمين بمحافظات عديدة مع اقتحام أقسام
الشرطة وذبح بعض الضباط وسرقة متحف ملوي بل وحرق محافظة الجيزة.
ماذا سيحدث
بالأيام القادمة؟ بعد إعلان رئاسة الجمهورية عن فرض حالة الطوارئ لمدة شهر مع حظر
التجول لعدد من المحافظات المصرية، هو نزول قوات الجيش بكثرة وبكثافة ستؤدي إلى زيادة
سيطرة الجيش على كل موارد الدولة وأجهزتها، وبشكل طبيعي سيحافظ الحاكم الفعلي على
وجود الإخوان، ففي الفكر العسكري، لابد من وجود العدو، ليبرر وجوده هو شخصياً
ويبرر أفعاله بإخراس كل صوت معترض على وجوده بحجة أنهم من معسكر العدو! وبذلك سيستمر
حرق المنشآت وتهديد الآمنين بدون تدخل فعلي من الشرطة (التي لم تتدخل من قبل
أصلاً) والجيش. وربما تزيد وتيرة الأحداث إلى تفجيرات بأماكن مزدحمة، خاصة مترو
الأنفاق. وربما ينتفض إرهابيون بدول عديدة ويأتون إلى مصر (بنفس طريقة دخولهم
لسيناء) بدعم أمريكي وسلاح أمريكي لتحويل مصر إلى بحار من الدماء بنفس السيناريو
السوري!
الدستور الجديد كما
أشار صديق لي (محمود عرفات) وأنا مقتنع بما قاله، سيشمل رقابة الجيش على الدولة، أي
أن الرئاسة ومجلس الشعب سيكونان مجرد ديكور بالنسبة للجيش، حيث لا حاكم حقيقي غير
قياداته!
والحل؟ هو أن تفيق
القوى المدنية (سواء ليبرالية أو اشتراكية) وتهبط للشارع، وتكف عن التنظير من أمام
الكمبيوترات والندوات المغلقة التي لا يتفاعلون فيها إلا مع المؤمنين بأفكارهم، أن
يتحركوا وينشروا أفكارهم بالشارع وسط العمال والفلاحين وسط التجار والطبقة الوسطى
من هذا الشعب. وإلا، فستظل لعبة الكراسي الموسيقية بين الاخوان والجيش مستمرة إلى
قيام الساعة.
وهكذا يا عزيزي
القارئ، نحن نمر بدوائر لعينة منذ أن تدخل الجيش في الحكم عام 1952، حيث لا توجد
حرية حقيقية أو حتى أي نوع من الحرية. وأذكر في هذا الأمر قول الفيلسوف البريطاني
العظيم برتراند راسل " كل من يقدرون لا الفن والعلم فحسب، لكن أيضاً يقدرون
كفاية الخبز والحرية من الخوف بأن كلمة طائشة من أبنائهم لمعلم المدرسة قد تحكم
عليهم - بالاعتقال- يجب أن يفعلوا كل ما
بطاقتهم للحفاظ على طريقة حياة أقل عبودية وأكثر رخاء ببلدانهم."
ما زلت أثق بضمير
الدكتور محمد البرادعي، وبتقديمه استقالته عن الحكومة اليوم، يعني أن الحكومة تسير
بالطريق الخطأ وأن تواجده بها أمر لا يسمح بها ضميره.
أما عن نفسي،
فأقولها وضميري مرتاح، يسقط يسقط حكم المرشد، يسقط يسقط حكم العسكر، ضد الدكتاتورية
أياً كان مصدرها. وحقيبتي جاهزة حال اعتقالي! ولا أخشى على حياتي حال اغتيالي،
فبعد الوطن، لا يوجد ما يستحق البكاء!
اولا كلمه دوائر وكلمه اللعينه دى بتاعتى :D
ReplyDelete- بكره جدا اللى يقول انا قلتلكم وانا تنبأت وانا حضرت وانا نزلت وانا اول من قلت (بلاش غرور)
عايز تمنع الاكل عن المعتصمين :D هو دا الحل السلمى ؟؟ :v
عجبتنى كلمه : لابد من وجود العدو، ليبرر وجوده هو شخصياً ويبرر أفعاله بإخراس كل صوت معترض على وجوده بحجة أنهم من معسكر العدو!
عن البرادعى : كرهت تخوين الناس له ، احنا شعب لا يملك ثقافه الاستقاله ومحدش مقتنع ان الحكومه فى طريقها الخاطئ
أيوة فعلاً، العنوان بتاعك (بعترف بالجريمة أهو) :D
Deleteوده مش غرور... أنا بس كنت عايز أوضح إني ما كنتش بعيد عن الأحداث، أصلاً أنا ما عملتش قد واحد على مية من اللي عملوه المعتصمين بكل الميادين
--
بالنسبة للحل السلمي، أهو حل سلمي أكتر من اللي حصل والفض بالقوة... ولا إيه رأيك؟ :D
الرعب من نفاذ المؤن ذاته ممكن يخليهم يستسلموا :)
---
صراحة أكتر حاجة بكرهها دلوقتي، هي دموية الناس وشهوة الدم اللي مخليهم ما يفكروش غير في الابادة، والمشكلة إن كل الأطراف بتفكر كده!!!