Friday, August 9, 2013

إلى أين يا وطن؟

في البدء كان الوطن... هذا ما حدث حينما ارتحل أجدادنا من الجنوب بحثاً عن أرض جديدة حتى استقروا في هذه البقعة من وادي النيل. وأنشدوا هذه الملحمة الرائعة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور. ثم تهاوت الحضارة وتداعت الأخلاق، وننظر إلى أنفسنا الآن متشدقين بملاحم الأجداد وتاريخهم وعرقهم وجهدهم وكفاحهم، فأين نحن منهم؟ وكيف وصلنا إلى هذا الحال؟
مشكلة الابتذال الحالية بالمجتمع لا تخص مصر وحدها، لكنها منتشرة في كل مكان وكل بقعة، إنها حياة الرفاهية والكسب السريع، لا كفاح ولا عرق ولا جهد مبذول لأجل التقدم. أصبحنا كالطفيليات التي تعيش على جهد غيرها، وغيرنا في هذه الحالة هم الأجداد.
أذكر أن في ثلاثينيات القرن الماضي، فازت القاهرة بجائزة أنظف مدينة بالعالم، أي أنها كانت أنظف من روما وباريس ولندن ونيويورك. هل يمكن للقارئ الذي يعيش في هذه الفترة المظلمة من التاريخ المصري أن يتخيل أن القاهرة كانت كذلك؟ وأصبحت كما نراها الآن؟
نشاهد الأفلام القديمة لنجد الناس في قمة الاحترام مع بعضهم البعض، وأن للمرأة المتعلمة دوراً كبيراً بالمجتمع، مستقلة بذاتها، قادرة على تجاوز الصعاب وتحقيق طموحاتها. والآن، إلى ماذا تحولت المرأة؟ تحولت إلى مجرد تابع، سواء لأهلها أو لزوجها أو حتى مقيدة اجتماعياً تخشى أن تقيم بشقة وحدها لئلا يقال عليها أنها فاسقة. تخشى أن تكشف شعرها فتتهم بالفجور، تخشى من كل شيء، كائن خائف سجين المجتمع، وسجين سوء التربية التي انتقلت من جيل إلى جيل مؤخراً، حيث تتربى الفتاة على أنها أقل من أخيها، وأن من حقه الخروج وليس من حقها، من حقه أن يفعل ما يشاء، وليس من حقها أي شيء سوى أن تستكين جالسة مكانها تنتظر انتقال ملكيتها من أهلها لزوجها.
الوصول للأسباب ليس عسيراً، فقد بدأ هذا الأمر مع الانقلاب العسكري المؤيد من الإخوان عام 1952، فهي لم تكن ثورة، لم يشارك الشعب في أي شيء بها، وأشيعت بضعة أكاذيب عن شخص الملك فاروق، وأنه كان سكيراً مقامراً يهوى النساء، حتى اقتنع بها الشعب وكره الملك، بعد رحيله.
ثم دخلنا بحروب عدة، أدت لخسائر اقتصادية فادحة وانخفاض حاد لقيمة الجنيه، وتحوله من عملة قوية دولياً إلى عملة ضعيفة لا شخصية لها. وهذه الخسائر الاقتصادية التي ساهمت في تشكيل عصر الانفتاح، أبرز ملامح عصر أنور السادات، بذهاب كثير من المصريين للعمل بدول الخليج، وعادوا منبهرين بما رأوه، ومسرورين بنظرة الانبهار على كل من يسمع قصصهم، لكنهم أيضاً، عادوا حاملين فكر جديد، فكر هدّام يحتقر المرأة ويصنفها على أنها مجرد أداة لمتعة الرجل وخدمته.  مما أدى لتهميشها مجتمعياً، واحتقارها فكرياً وجسدياً ودينياً. وهذا الفكر أخذ في الانتشار سريعاً، لمجرد الاعتقاد أنه الفكر الديني الصحيح، والاعتقاد بأن الخليجيين أصبحوا بهذا الثراء الفاحش والترف الزائد نتيجة تمسكهم بالتدين الصحيح. فأصبح كل من يهوى الثراء لا يعمل بجد واجتهاد للحصول عليه، بل يكتفي بالصلاة والدعاء طلباً للثراء كنعمة إلهية، ويزيد بتشدده، يبغض أبناء وطنه المختلفون عنه في الدين، يبغض المرأة، ويعلم الفتاة أن "تتغطى" لأنه تعلم بتلك البلدان أن من لا يغطي فتياته وامرأته هو ديوث.
إذن، فلا عجب بعد كل هذا أن نصل ليوم نرى التحرش بالسيدات والفتيات بالشوارع ووسائل المواصلات منتشراً كالنار في الهشيم. لا عجب أن لا نجد أحداً يدافع عن المرأة، بل كما قال محامي الجاني في قضية نهى رشدي أن دافع موكله للتحرش بها، هو أنها كانت تضحك بصوت مرتفع!!!
هل من حل لهذه المأساة؟ أجل! ثمة حل، لكنه يتطلب عمل المجتمع بأكمله. إعلام يقوم بحملات توعية ضد التحرش، يشمل آراء أساتذة الجامعات وممثلون عن الأزهر والكنيسة. مراكز حقوقية تطبع منشورات للتوجيه. وفوق كل هذا يتطلب فتيات لا يسكتن عن حقوقهن، ويستطعن الدفاع عن أنفسهن.
يتطلب أيضاً الاختلاط بكل مراحل التعليم... برأيي من أهم أسباب التحرش هو الجهل الذي يتربى عليه الذكور، حيث لا يعلمون عن المرأة إلا أنها أداة لتحقيق متعة جنسية لا أكثر. الاختلاط بمراحل التعليم سيوفر المناخ الملائم الذي يتربى فيه الولد مع الفتاة، ويتعلم أنها بشر مثلها مثله، لها أفكارها وأحاسيسها وطموحاتها، تشعر وتتألم مثله، وحين نشوء هذه الصلة سيترتب عليه أن يكون أصعب بالنسبة للولد أن يتحرش بفتاة أو حتى أن يغرر بها.
 للدولة دور كبير بهذا الأمر، لكن لابد أن يتصدى المجتمع بنفسه لهذه الظاهرة الخطيرة، وأن يتوقف عن سلبيته المعهودة تحت شعار "وإيه اللي وداها هناك؟".
لابد لنا أيضاً أن ننبذ هذه الأفكار التي تناقلت إلينا عن طريق دول الخليج، ونسعى لصدها صداً بل والهجوم عليها وتحقيرها. وفي نفس الوقت، لابد لنا أن ننشر فكر بديل يحث الناس لا على صد هذه الظاهرة اللعينة، بل وأيضاً تربية أولادهم على احترام المرأة، وأن الفتاة مثل الولد، وأن بدون أنثى لا يوجد ذكر، وأن كلاهما مهم بالأسرة، ثم بالمجتمع. كفانا وأداً لفتياتنا وتحقيراً لهن!

4 comments:

  1. والمفروض لحد مايتصلح التعليم ويبدأ الحركة التنويرية لازم يحصل حملات نوعية ثقافية كحل على المدى القصير وقانون صارم يحفظ حق المرأة على ان تكون هذه الحملات الثقافية عن المرأة فقط واحترامها بل هويتنا المصرية اللذين يحاولوا تدميرها

    ReplyDelete
    Replies
    1. ده صحيح... لأن تدمير الهوية اللي حصلت لازم يترد عليها بإعلاء قيمة الهوية المصرية فوق أية هوية وافدة... إحنا مش تابعين لحد

      Delete